المنشورات

يوم عين أباغ

وبعده أيام ذي قار قال أبو عبيدة: كان ملك العرب المنذر الأكبر ابن ماء السماء، ثم مات فملك ابنه عمرو بن المنذر، وأمه هند وإليها ينسب، ثم هلك فملك أخوه قابوس، وأمه هند أيضا، فكان ملكه أربع سنين، وذلك في مملكة كسرى بن هرمز، ثم مات فملك بعده أخوه المنذر بن المنذر بن ماء السماء، وذلك في مملكة كسرى بن هرمز، فغزاه الحارث الغساني، وكان بالشام من تحت يد قيصر، فالتقوا بعين أباغ، فقتل المنذر، فطلب كسرى رجلا يجعله مكانه، فأشار إليه عدي بن زيد- وكان من تراجمة كسرى- بالنعمان بن المنذر، وكان صديقا له فأحب أن ينفعه، وهو أصغر بني المنذر بن المنذر بن ماء السماء، فولاه كسرى على ما كان عليه أبوه، وأتاه عدي بن زيد فمكّنه النعمام، ثم سعي بينهما فحبسه حتى أتى على نفسه، وهو القائل:
أبلغ النّعمان عني مألكا ... أنه قد طال حبسي وانتظاري
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري «1»
وعداتي شمّت أعجبهم ... أنّني غيّبت عنهم في إساري
لامريء لم يبل مني سقطة ... إن أصابته ملمّات العثار «2»
فلئن دهر تولى خيره ... وجرت بالنّحس لي منه الجواري
لبما منه قضينا حاجة ... وحياة المرء كالشّيء المعار
فلما قتل النعمان عديّ بن زيد العبادي- وهو من بني امريء القيس بن سعد بن زيد مناة بن تميم- سار ابنه زيد بن عدي إلى كسرى فكان من تراجمته وكان النعمان عند كسرى، فحمله عليه، فهرب النعمان حتى لحق ببني رواحة من عبس، واستعمل كسرى على العرب إياس بن قبيصة الطائي، ثم إن النعمان تجول حينا في أحياء العرب، ثم أشارت عليه امرأته المتجردة أن يأتي كسرى ويعتذر إليه، ففعل، فحبسه بساباط «3» حتى هلك، ويقال أوطأه الفيلة.
وكان النعمان إذا شخص إلى كسرى أودع حلقته وهي ثمانمائة درع وسلاحا كثيرا، هانيء بن مسعود الشيباني، وجعل عنده ابنته هند التي تسمى حرقة، فلما قتل النعمان قالت فيه الشعراء، فقال فيه زهير بن أبي سلمى المزنيّ:
ألم تر للنّعمان كان بنجوة ... من الشرّ لو أنّ امرءا كان باقيا «4»
فلم أر مخذولا له مثل ملكه ... أقلّ صديقا أو خليلا موافيا
خلا أنّ حيّا من رواحة حافظوا ... وكانوا أناسا يتّقون المخزيا «5»
فقال لهم خيرا وأثنى عليهم ... وودّعهم توديع أن لا تلاقنا












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید