المنشورات

اختلاف الناس في أشعر الشعراء

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم وذكر عنده امرؤ القيس بن حجر: «هو قائد الشعراء وصاحب لوائهم» .
وقال عمر بن الخطاب للوفد الذين قدموا عليه من غطفان: من الذي يقول:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب «1»
قالوا: نابغة بني ذبيان: قال لهم: فمن الذي يقول هذا الشعر:
أتيتك عاريا خلقا ثيابي ... على وجل تظن بي الظنون «2»
فألفيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخون
قالوا: هو النابغة. قال هو أشعر شعرائكم. وما أحسب عمر ذهب إلا إلى أنه أشعر شعراء غطفان، ويدل على ذلك قوله: هو أشعر شعرائكم.
وقد قال عمر لابن عباس: أنشدني لأشعر الناس، الذي لا يعاظل «3» بين القوافي ولا يتبع حوشيّ «4» الكلام. قال: من ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: زهير بن أبي سلمى فلم يزل ينشده من شعره حتى أصبح.
وكان زهير لا يمدح إلا مستحقا، كمدحه لسنان بن أبي حارثة، وهرم بن سنان وهو القائل:
وإنّ أشعر بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته: صدقا
وكذلك أحسن القول ما صدّقه الفعل.
قالت بنو تميم لسلامة بن جندل: مجّدنا بشعرك. قال: افعلوا حتى أقول.
وقيل للبيد: من أشعر الشعراء؟ قال: صاحب القروح- يريد امرأ القيس- قيل له: فبعده من؟ قال: ابن العشرين- يعني طرفة- قيل له: فبعده من؟ قال: أنا.
وقيل للحطيئة: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول:
من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب
يريد عبيد بن الأبرص. قيل له: فبعده من؟ فأخرج لسانه وقال: هذا إذا رغب.
وقيل لبعض الشعراء: من أشعر الناس؟ قال: النابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، وجرير إذا غضب.
وقال أبو عمرو بن العلاء: طرفة أشعرهم واحدة. يعني قصيدته:
لخولة أطلال ببرقة ثمهد
وفيها يقول:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
وأنشد هذا البيت للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فقال: هذا من كلام النبوّة! وسمع عبد الله بن عمر رجلا ينشد بيت الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد «1»
فقال: ذاك رسول الله! إعجابا بالبيت، يعني أن مثل هذا المدح لا يستحقه إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
سئل الأصمعي عن شعر النابغة، فقال: إن قلت ألين من الحرير صدقت وإن قلت أشدّ من الحديد صدقت.
وسئل عن شعر الجعدي: فقال: مطرف بألف وخمار بواف «1» .
وسئل حماد الراوية عن شعر ابن أبي ربيعة، فقال: ذلك الفستق المقشر الذي لا يشبع منه.
وقالوا في عمرو بن الأهتم: كأنّ شعره حلل منشرّة.
وسئل عمرو بن العلاء عن جرير والفرزدق، فقال: هما بازيان، يصيدان ما بين الفيل والعندليب.
وقال جرير: أنا مدينة الشعر والفرزدق نبعته.
وقال بلال بن جرير: قلت لأبي: يا أبت، إنك لم تهج قوما قط إلا وضعتهم إلا بني لجأ. قال: إني لم أجد شرفا فأضعه ولا بناء فأهدمه.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید