المنشورات

فتح مكة

وكان الذي هاج فتح مكة أن عمرو بن مالك الخزاعي، ثم أحد بني كعب خرج من مكة حتى قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، وكانت خزاعة في حلف النبي صلّى الله عليه وسلّم في عهده وعقده، فلما انتقضت عليهم قريش بمكة وأصابوا منهم ما أصابوا، أقبل عمرو بن سالم الخزاعي بأبيات قالها، فوقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في المسجد بين أظهر الناس، فقال:
يا ربّ إني ناشد محمّدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا «1»
قد كنتم ولدا وكنّا ولدا ... وزعموا أن لست أدعو أحدا
إنّ قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكّدا
وجعلوا لي في كداء رصدا ... وزعموا أن لست أدعو أحدا «2»
وهم أذلّ وأقل عددا ... هم بيتونا بالوتير هجّدا «3»
وقتلونا ركّعا وسجّدا ... فانصر هداك الله نصرا أيّدا
وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجرّدا
إن سيم خسفا وجهه تربّدا ... في فيلق كالبحر يجري مزبدا «4»
قال ابن هشام: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نصرت يا عمرو بن مالك، ثم عرض عارض من السماء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! إنّ هذه السحابة تستهلّ بنصر بني كعب.
وقال عمر بن الخطاب: الشعر جذل من كلام العرب، يسكن به الغيظ، وتطفأ به النائرة، ويتبلّغ به القوم في ناديهم، ويعطى به السائل.
فقال ابن عباس. الشعر علم العرب وديوانها، فتعلموه، وعليكم بشعر الحجاز فأحسبه ذهب إلى شعر الحجاز وحض عليه، إذ لغتهم أوسط اللغات.
وقال معاوية لعبد الرحمن بن الحكم: يا اخي، إنك شهرت بالشعر، فإياك والتشبيب «5» بالنساء، فإنك تعرّ الشريفة في قومها، والعفيفة في نفسها-، والهجاء فإنك لا تعدو أن تعادي به كريما او تستثير به لئيما، ولكن افخر بمآثر قومك، وقل من الأمثال ما توفّر به نفسك، وتؤدب به غيرك.
وسئل مالك بن أنس: من أين شاطر عمر بن الخطاب عماله؟ فقال: اموال كثيرة ظهرت عليهم، وإن شاعرا كتب إليه يقول:
نحجّ إذا حجّوا ونغزو إذا غزوا ... فأنى لهم وفر ولسنا بذي وفر؟
إذا التاجر الهنديّ جاء بفارة ... من المسك راحت في مفارقهم تجري «1»
فدونك مال الله حيث وجدته ... سيرضون إن شاطرتهم- منك بالشطر
قال: فشاطرهم عمر أموالهم.
وأنشد عمر بن الخطاب قول زهير:
فإنّ الحقّ مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء
فجعل يعجب بمعرفته بمقاطع الحقوق وتفصيلها، وإنما أراد: مقطع الحقوق يمين أو حكومة أو بينة.
وأنشد عمر قول عبدة بن الطبيب:
والعيش شح وإشفاق وتأميل
فقال: على هذا بنيت الدنيا.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید