المنشورات

النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في وباء المدينة

ولما هاجر النبي صلّى الله عليه وسلّم والى المدينة وهاجر أصحابه، مسهم وباء «2» المدينة، فمرض أبو بكر وبلال. قالت عائشة: فدخلت عليهما. فقلت: يا أبت كيف تجدك؟
ويا بلال، كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:
كلّ امرىء مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
قالت: وكان بلال إذا أقلعت عنه يرفع عقيرته «3» ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل «1»
وهل أردن يوما مياه مجنّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل «2»
قالت عائشة: وكان عامر بن فهيرة يقول:
وقد رأيت الموت قبل ذوقه ... إنّ الجبان حتفه من فوقه
كالثور يحمي جلده بروقه «3»
قالت عائشة: فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال: اللهم حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكة وأشدّ، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدّها، وانقل حمّاها فاجعلها بالجحفة «4» .
ومن حديث البراء بن عازب: قال: لما كان يوم حنين رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، والعباس وأبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وهما آخذان بلجام بغلته. وهو يقول:
أنا النبيّ لا كذب أنا ... ابن عبد المطلب
ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه لما دخل الغار نكب «5» ، فقال:
«هل أنت إلا أصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت» .
فهذا من المنثور الذي يوافق المنظوم وإن لم يتعمّد به قائلة المنظوم. ومثل هذا من كلام الناس كثير يأخذه الوزن، مثل قول عبد مملوك لمواليه:
«اذهبوا بي إلى الطبيب ... وقولوا قد اكتوى» .
ومثله كثير مما يأخذه الوزن ولا يراد به الشعر، ولا يسمّى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم- وإن كان موزونا- شعرا لانه لا يراد به الشعر.
ومثله في آي الكتاب: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ
«1» .
ومنه: وَجِفانٍ كَالْجَوابِ، وَقُدُورٍ راسِياتٍ
«2» .
ومثله: وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ، وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ
«3» .
ومنه: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ
«4» .
ولو تطلبت في رسائل الناس وكلامهم لوجدت فيه ما يحتمل الوزن كثيرا، ولا يسمّى شعرا. من ذلك قول القائل: من يشتري باذنجان. تقطيعه: مستفعلن مفعولات، وهذا كثير.









مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید