المنشورات

مداراة الشعراء وتقيتهم

سليمان والخليل وبعض المادحين
أبو جعفر البغدادي قال: مدح قوم من الشعراء جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، فماطلهم بالجائزة، وكان الخليل بن أحمد صديقه، وكان وقت مدحهم إياه غائبا، فلما قدم الخليل أتوه فأخبروه، فاستعانوا به عليه، فكتب إليه:
لا تقبلنّ الشعر ثمّ تعقّه ... وتنام والشعراء غير نيام «1»
واعلم بأنّهم إذا لم ينصفوا ... حكموا لأنفسهم على الحكّام
وجناية الجاني عليهم تنقضي ... وعقابهم باق على الايام
فأجازهم وأحسن اليهم.
النبي صلّى الله عليه وسلّم وابن مرداس
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لما مدحه عباس بن مرداس: اقطعوا عني لسانه. قالوا: بماذا يا رسول الله؟ فأمر له بحلة قطع بها لسانه.
ومدح ربيعة الرقّيّ يزيد بن حاتم وهو والي مصر، فتشاغل عنه ببعض الامور واستبطأه ربيعة فشخص من مصر، وقال:
أراني ولا كفران لله راجعا ... بخفّي حنين من نوال ابن حاتم «2»
فبلغ قوله يزيد بن حاتم، فأرسل في طلبه وردّه، فلما دخل عليه قال له: انت القائل:
أراني ولا كفران الله راجعا ... بخفي حنين من نوال ابن حاتم
قال: نعم. قال: هل قلت غير هذا؟ قال: لا. قال: والله لترجعن بخفّي حنين مملؤة مالا! فأمر بخلع خفّيه، وأن تملا له مالا، ثم قال: أصلح ما أفسدت من قولك، فقال فيه لما عزل عن مصر وولي مكانه يزيد بن السلمي:
بكى اهل مصر بالدموع السواجم ... غداة غدا منها الأغرّ ابن حاتم «3»
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم «1»
فهمّ الفتى الأزديّ إنفاق ماله ... وهمّ الفتى القيسيّ جمع الدراهم
فلا يحسب التّمتام أني هجوته ... ولكنّني فضلت أهل المكارم
واعلم أن تقية الشعراء من حفظ الأعراض التي أمر الله تعالى بحفظها، وقد وضعنا في هذا الكتاب بابا فيمن وضعه الهجاء، ومن رفعه المدح.
تيم عامل زياد ومادح له
وكان لزياد عامل على الاهواز يقال له تيم، فمدحه رجل من الشعراء، فلم يعطه شيئا، فقال الشاعر: اما اني لا أهجوك، ولكني أقول فيك ما هو شر عليك من الهجاء. فدخل على زياد فأسمعه شعرا مدحه فيه، وقال في بعضه:
وكائن عند تيم من بدور ... إذا ما صفّدت تدعو زيادا «2»
دعته كي يجيب لها وشيكا ... وقد ملئت حناجرها صفادا «3»
فقال زياد: لبّيك يا بدور! ثم أرسل فيه فأغرمه مائة ألف.









مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید