المنشورات

يزيد والأخطل في هجاء الانصار

ولما وقع التهاجي بين عبد الرحمن بن حسان وعبد الرحمن بن أم الحكم أرسل يزيد ابن معاوية إلى كعب بن جعيل، فقال له: إن عبد الرحمن بن حسان فضح عبد الرحمن ابن الحكم فاهج الانصاري. فقال: أرادّي أنت إلى الإشراك بعد الإيمان؟ لا أهجو قوما نصروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكن أدلّك على غلام مناصري. فدله على الأخطل فأرسل إليه فهجا الأنصاري، وقال فيه:
ذهبت قريش بالمكارم كلّها ... واللؤم تحت عمائم الانصار
قوم إذا حضر العصير رأيتهم ... حمرا عيونهم من المسطار «2»
وإذا نسبت إلى الفريعة خلته ... كالجحش بين حمارة وحمار
فدعو المكارم لستم من اهلها ... وخذوا مساحيكم بني النجار «3»
وكان مع معاوية النعمان بن بشير الانصار، فلما بلغه الشعر أقبل حتى دخل على معاوية، ثم حسر العمامة عن رأسه وقال: يا معاوية، هل ترى من لؤوم؟ قال: ما أرى إلا كرما. قال: فما الذي يقول فينا عبد الأراقم:
ذهبت قريش بالمكارم كلّها ... واللؤم تحت عمائم الانصار!
قال قد حكمتك فيه. قال: والله لا رضيت إلا بقطع لسانه، ثم قال:
معاوي إلا تعطنا الحقّ تعترف ... لحي الازد مشدودا عليها العمائم
أيشتمنا عبد الاراقم ضلّة ... وما الذي تجدي عليك الاراقم «4»
فمالي ثأر دون قطع لسانه ... فدونك من ترضيه عنك الدّراهم
فقال معاوية: قد وهبتك لسانه. وبلغ الاخطل، فلجأ إلى يزيد بن معاوية، فركب يزيد إلى النعمان فاستوهبه إياه، فوهبه له.
ومن قول عبد الرحمن بن حسان في عبد الرحمن بن أم الحكم:
وأمّا قولك الخلفاء منّا ... فهم منعوا وريدك من وداجي «1»
ولولاهم لطحت كحوت بحر ... هوى في مظلم الغمرات داج «2»
وهم دعج وولد أبيك زرق ... كأنّ عيونهم قطع الزجاج «3»
وقال يزيد لابيه: إن عبد الرحمن بن حسان يشبب بابنتك رملة. قال: وما يقول فيها؟ قال: يقول:
هي بيضاء مثل لؤلؤة الغوّا ... ص صيغت من لؤلؤ مكنون
قال صدق! قال: ويقول:
وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في ثناء من المكارم دون
قال صدق أيضا! قال: ويقول:
تجعل المسك واليلنجو ... ج صلاء لها على الكانون «4»
قال: صدق قال: فانه يقول:
ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء ... تمشي في مرمر مسنون «5»
قال: كذب! قال: ويقول:
قبة من مراجل ضربوها ... عند برد الشتاء في قيطون «6»
قال: ما في هذا شيء. قال: تبعث إليه من يأتيك برأسه. قال: يا بنيّ، لو فعلت ذلك لكان أشدّ عليك، لانه يكون سببا للخوض في ذكره، فيكثر مكثر ويزيد زائد، اضرب عن هذا صفحا، واطو دونه كشحا.













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید