المنشورات

ابو العتاهية وابن هانىء

وتأوّل بعضهم «الحالي» يريد الحالي بالنّوار، يعني الرياض، وهو توجيه حسن ولقي ابو العتاهية الحسن بن هانىء، فقال له: أنت الذي لا تقول الشعر حتى تؤتى بالرياحين والزهور فتوضع بين يديك؟ قال: وكيف ينبغي للشعر أن يقال إلا على هكذا؟ قال: أما إني اقوله على الكنيف «1» ! قال: ولذلك توجد فيه الرائحة.
قال عبد الملك بن مروان لأرطاة بن سهيّة: هل تقول الآن شعرا؟ قال: ما أشرب ولا أطرب ولا أغضب، فلا يقال الشعر الا بواحدة من هذه.
وقيل للحطئة: من أشعر الناس؟ فأخرج لسانا رقيقا كأنه لسان حية وقال: هذا إذا طمع.
وقيل لكثير عزة: لم تركت الشعر؟ قال: ذهب الشباب فما أعجب، وماتت عزة فما أطرب، ومات ابن ابي ليلى فما أرغب، يريد عبد العزيز بن مروان.
وقالوا: أشعر الناس النابغة إذا رهب، وزهير إذا غضب، وجرير إذا رغب.
وقال عمرو بن هند لعبيد بن الأبرص، ولقيه في يوم بؤسه: أنشدني من شعرك.
قال: حال الجريض «1» دون القريض. وقد يمتنع الشعر على قائله ولا يسلس حتى يبعثه خاطر أو صوت حمامة.
وقال الفرزدق: أنا أشعر الناس عند الناس، وقد يأتي عليّ الحين وقلع ضرس عندي أهون من قول بيت شعر.
وقال الراجز:
إنما الشعر بناء ... يبتنيه المبتنونا
فإذا ما نسّقوه ... كان غثا أو سمينا
ربما واتاك حينا ... ثم يستصعب حينا
وأسلس ما يكون الشعر في أول الليل قبل الكرى «2» ، وأول النهار قبل الغذاء وعند مناجاة النفس واجتماع الفكر، وأقوى ما يكون الشعر عندي على قدر قوة أسباب الرغبة والرهبة.
قيل للخريمي: ما بال مدائحك لمحمد بن منصور أحسن من مراثيك قال: كنا حينئذ نعمل على الرجاء، ونحن اليوم نعمل على الوفاء، وبينهما بون «3» بعيد.
والدليل على صحة هذا المعنى وصدق هذا القياس، أن كثيّر عزة والكميت بن زيد كانا شيعيّين غاليين، في التشيّع، وكانت مدائحهما في بني امية أشرف وأجود منها في بني هاشم، وما لذلك علة الا قوة أسباب الطمع.
وقيل لكثير عزة: يا أبا صخر، كيف تصنع إذا عسر عليك الشعر؟ قال: أطوف في الرباع «1» المحيلة والرياض المعشبة، فإن نفرت عنك القوافي وأعيت عليك المعاني، فروّح قلبك، وأجمّ ذهنك، وارتصد لقولك فراغ بالك وسعة ذهنك، فإنك تجد في تلك الساعة ما يمتنع عليك يومك الأطول وليلك الأجمع.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید