المنشورات

اختلاف الشعراء في المعنى الواحد

وقد تختلف الشعراء في المعنى الواحد، وكل واحد منهم محسن في مذهبه جار في توجيهه، وإن كان بعضه أحسن من بعض.
ألا ترى أن الشماخ بن ضرار يقول في ناقته:
إذا بلغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين «2»
وقال الحسن بن هانيء في ضد هذا المعنى ما هو أحسن منه في محمد الأمين:
فإذا المطيّ بنا بلغن محمّدا ... فظهورهنّ على الرجال حرام
وقال أيضا:
أقول لناقتي إذا أبلغتني ... لقد أصبحت مني باليمين
فلم أجعلك للعربان نحلا ... ولا قلت اشرقي بدم الوتين «1»
فقد عاب بعض الرواة قول الشماخ، واحتجّ في ذلك بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم للأنصارية المأسورة التي نجت على ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم [وقالت] : إني نذرت يا رسول الله إن نجاني الله عليها أن أنحرها. قال: «بئسما جزيتيها! ولا نذر لأحد في ملك غيره» .
وقد قالت الشعراء، فلم تزل تمدح حسن الهيئة وطيب الرائحة وإسبال الثوب قال الفرزدق:
بنو دارم قومي، ترى حجزاتهم ... عتاقا حواشيها رقاقا نعالها «2»
يجرّون هدّاب اليمان كأنهم ... سيوف جلا الأطباع عنها صقالها
وأول من سبق إلى هذا المعنى النابغة الذبياني في قوله:
رقاق النّعال طيّب حجزاتهم ... يحيّون بالرّيحان يوم السّباسب «3»
وقال طرفة:
ثم راحوا عبق المسك بهم ... يلحقون الأرض هدّاب الأزر
وقال كثير عزة في إسبال الذيول يمدح بني أمية:
أشم من الغادين في كلّ حلة ... يميسون في صبغ من العصب متقن
لهم أزر حمر الحواشي بطونها ... بأقدامهم في الحضرميّ الملسّن «4»
وقال فيه أيضا:
إذا حلل العصب اليماني أجادها ... أكف أساتيذ على النسج درّب
أتاهم بها الجابي فراحوا عليهم ... تمائم من فضفاضهنّ المكعّب «1»
لها طرر تحت البنائق أدنيت ... إلى مرهفات الحضرميّ المعقرب «2»
وقال آخر:
معي كل فضفاض القميص كأنه ... إذا ما سرت فيه المدام فنيق «3»
وخالفهم فيه صريع الغواني فقال:
لا يعبق الطيب خدّيه ومفرقه ... ولا يمسّح عينيه من الكحل
وقال دريد بن الصّمّة يرثي أخاه عبد الله بن الصّمة ويصفه بتشمير الثوب:
كميش الإزار خارج نصف ساقه ... بعيد من السّوءات طلّاع أنجد
مثل قول الحجاج:
أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني «4»
وقد يحمل معناهم في تشمير الثوب وسحبه واختلافهم فيه على وجهين: أحدهما أن يستحسن بعضهم ما يستقبح بعض، والوجه الثاني يشبه أن يكون لتشمير الثوب موضع ولسحبه موضع كما قال عمرو بن معديكرب:
فيوما ترانا في الخزور نجرّها ... ويوما ترانا في الحديد عوابسا «5»
ويوما ترانا في الثريد ندوسه ... ويوما ترانا نكسر الكعك يابسا «6»
وقال أعشى بكر لعمرو بن معديكرب:
وإذا تجيء كتيبة مكروهة ... ملمومة يخشى الكماة نزالها «1»
كنت المقدّم غير لابس جبّة ... بالسيف تضرب معلما أبطالها
وقال مسلم بن الوليد في يزيد بن مزيد خلاف هذا كلّه، وهو:
تراه في الأمن في درع مضاعفة ... لا يأمن الدهر أن يدعى على عجل
ولما أنشده يزيد بن مزيد قال له: ألا قلت كما قال الأعشى. فأنشده البيتين، فقال: قولي أحسن من قوله، إنه وصفه بالخرق، وأنا وصفتك بالحزم.
وقال عبد الملك بن مروان لأسيلم بن الأحنف الأسدي: ما أحسن شيء مدحت به؟ قال: قول الشاعر:
أسيلم ذاكم لا خفا بمكانه ... لعين ترجّي أو لأذن تسمّع
من النّفر الشيم الذين إذا اعتزوا ... وهاب رجال حلقة الباب قعقعوا «2»
جلا الإذفر الأحوى من المسك فرقه ... وطيّب دهنا رأسه فهو أنزع «3»
إذا النّفر السّود اليمانون حاولوا ... له حول برديه أدقّوا وأوسعوا
فقال عبد الملك: أحسن من هذا قول قبيس بن الأسلت:
قد حصّت البيضة رأسي فما ... أطعم نوما غير تهجاع «4»
أسعى على جل بني مالك ... كل امريء في شأنه ساعي
وقال بعضهم:
سألت المحبّين الذين تحمّلوا ... تباريخ هذا الحبّ في سالف الدهر «5»
فقالوا: شفاء الحبّ حبّ يزيله ... لأخرى، وطول للتمادي على الهجر
وقال الحمدوني ما هو أحسن من هذا المعنى في ضدّه، وهو قوله:
زعموا أنّ من تشاغل بالحبّ سلا عن حبيبه وأفاقا
كذبوا، ما كذا بلونا ولكن ... لم يكونوا فيما أرى عشّاقا
كيف أسلو بلذّة عنك والّلذّات يحدثن لي إليك اشتياقا
كلما رمت سلوة تذهب الحر ... قة زادت قلبي عليك احتراقا «1»
وقال كثيّر عزّة:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثّل لي ليلي بكلّ سبيل!.
وقال بعض الناس: إن كان يحبها فلماذا ينسى ذكرها؟ ألا قال كما قال مجنون بني عامر:
فلا خفّف الرحمن ما بي من الهوى ... ولا قطع الرحمن عن حبّها قلبي
فما سرّني أني خليّ من الهوى ... ولو أنّ لي ما بين شرق إلى غرب
وذهب أكثرهم أن بعد العهد يسلي المحب عن حبيبه، وقالوا فيه:
إذا ما شئت أن تسلو حبيبا ... فأكثر دونه عدد الليالي
وقال العباس بن الأحنف:
إذا كنت لا يسليك عمن تحبّه ... تناء ولا يشفيك طول تلاق «2»
فما أنت إلا مستعير حشاشة ... لمهجة نفس آذنت بفراق
وقال كثير عزة:
فإن تسل عنك النفس أو تدع الهوى ... فباليأس تسلو عنك لا بالتجلّد «3»
ومثله قول بشار:
من حبّها أتمنى أن يلاقيني ... من نحو بلدتها ناع فينعاها!
كيما أقول: فراق لا لقاء له ... وتضمر النّفس يأسا ثم تسلاها
وهذه المذاهب كلها خارجة في معناها، جارية في مجراها.
وقال عبد الله بن جندب:
ألا يا عباد الله، هذا أخوكم ... قتيلا فهل منكم له اليوم واتر
خذوا بدمي إن متّ كلّ خريدة ... مريضة جفن العين والطّرف ساهر «1»
وقال صريع الغواني في ضد هذا:
أديرا عليّ الرّاح لا تشربا قبلي ... ولا تطلبا من عند قاتلتي ذحلي «2»
وقول عبد الله بن جندب أحسن في هذا المعنى، لأنه إنما أراد أن يدل على موضع ثأره واسم قاتله، ولم يرد الطلب بالثأر، ولأنه لا ثأر له.
وقد قال عبد الله بن عباس، ونظر إلى رجل مدنف «3» عشقا: هذا قتيل الحب.
لا عقل ولا قود «4» .
وقال الفرزدق وأراد مذهب ابن جندب فلم تؤاته رقة الطبع، فخرج إلى جفاء القول وقبحه فقال:
يا أخت ناجية بن سامة إنني ... أخشى عليك بنيّ إن طلبوا دمي
لن يتركوك وقد قتلت أباهم ... ولو ارتقيت إلى السماء بسلّم
وقال ابن أخت تأبط شرا يرثي خاله وقتلته هذيل:
شامس في القرّ حتى إذا ما ... ذكت الشّعرى فبرد وظلّ «5»
ظاعن بالحزم حتى إذا ما ... حلّ حلّ الحزم حيث يحلّ
أخذ معنى البيت الأوّل أعرابي فسهل معناه وحسن ديباجته، فقال:
إذا نزل الشتاء فأنت شمس ... وإن نزل المصيف فأنت ظلّ
وأخذ معنى البيت الثاني الحسن بن هانيء فقال في الخصيب:
فما جازه جود ولا حلّ دونه ... ولكن يصير الجود حيث يصير
وقالوا في الخيال فحيّوه ورحّبوا به. فمن ذلك قول مروان بن أبي حفصة:
طرقتك زائرة فحيّ خيالها
وقال:
طرق الخيال فحيّه بسلام
وعلى هذا بنيت أشعارهم، وخالفهم جرير فطرد الخيال، فقال:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام
وأوّل من طرد الخيال طرفة فقال:
فقل لخيال الحنظلية ينقلب ... إليها، فإني واصل حبل من وصل
وأعجب من هذا قول الراعي الذي هجا الخيال فقال:
طاف الخيال بأصحابي فقلت لهم ... أأمّ شذرة زارتني أم الغول
لا مرحبا بابنة الأقيال إذ طرقت ... كأن محجرها بالفار مكحول «1»
وقد يختلف معنى الشاعر أيضا في شعر واحد يقوله، ألا ترى أنّ امرأ القيس قال في شعره:
وإن تك قد ساءتك مني خليقة ... فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل «2»
فوصف نفسه بالصبر والجلد والقوّة على التهالك، ثم أدركته الرقة والاشتياق في البيت الذي بعده:
أغرّك مني أنّ حبّك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل
مستدركا قوله في البيت الأول:
فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل
ولم يزل من تقدّم من الشعراء وغيرهم مجمعين على ذمّ الغراب والتشاؤم به، وكان اسمه مشتقا من الغربة، فسموه غراب البين، وزعموا أنه إذا صاح في الديار أقوت «1» من أهلها، وخالفهم أبو الشّيص فقال ما هو أحسن من هذا وأصدق من ذلك كله، قوله:
ما فرّق الأحباب بع ... د الله إلا الإبل
والناس يلحون غرا ... ب البين لمّا جهلوا «2»
وما إذا صباح غراب ... ب في الديار احتملوا
وما على ظهر غرا ... ب البين تطوى الرحل
وما غراب البين إلّا ... ناقة أو جمل
وقال آخر في هذا المعنى وذكر الإبل:
لهنّ الوجى إذ كنّ عونا على النّوى ... ولا زال منها ظالع وكسير «3»
وما الشؤم في نعب الغراب ونعقه ... وما الشؤم إلا ناقة وبعير
ومن قولنا في هذا المعنى:
نعب الغراب فقلت أكذب طائر ... إن لم يصدّقه رغاء بعير
ردّ الجمال هو المحقّق للنّوى ... بل شرّ أخلاس لهنّ وكور «4»
وقد يأتي من الشعر ما هو خارج عن طبقة الشعراء، منفرد في غرائبه وبديع صنعته ولطيف تشبيهه، كقول جعفر بن جدار كاتب ابن طولون:
كم بين باري وبين بمّا ... وبين بون إلى دمّما «1»
من رشإ أبيض التراقي ... أغيد ذي غنّة أحمّا «2»
وطفلة رخصة المرائي ... ليست تحلّى ولا تسمّى
إلا وسلك من اللآلي ... يعجز من يخرج المعمّى
صغرى وكبرى إلى ثلاث ... مثل التّعاليل أو أتما
وكم ببمّ وأرض بمّ ... وكم برمّ وأرض رمّا «3»
من طفلة بضّة لعوب ... تلقاك بالحسن مستتما
منهنّ ريّا وكيف ريّا ... ريّا إذا لاقت المشما
لو شمّها طائر بدوّ ... لخرّ في الترب أو لهمّا
تسحب ثوبين من خلوق ... قد أفنيا زعفران قمّا «4»
كأنما جلّيا عليها ... من طيب ما باشرا وشمّا
فألفيا زعفران قمّ ... فانغمسا فيه واستحما
فهي نظير اسمها المعلّى ... يفوح لا مرطها المدمّا «5»
هيهات يا أخت أهل بمّ ... غلطت في الاسم والمسمّى
لو كان هذا وقيل سمّ ... مات إذا من يقول سمّا
قد قلت إذ أقبلت تهادى ... كطلعة البدر أو أتما
تومي بأسروعة وتخفي ... بالبرد مثل القداح حمّا «6»
لو كنت ممّن لكنت ممّا ... لكني قد كبرت عمّا ...
عاتبني الدهر في عذاري ... بأحرف فارعويت لمّا «1»
قوّس ما كان مستقيما ... وابيضّ ما كان مدلهمّا
وكيف تصبوا الدّمى إلى من ... كان أخا ثم صار عمّا
لي عنك يا أخت أهل بمّ ... شغل بما قد دنا مهما
فلست من وجهك المفدّى ... ولست من قدّك المحمّى
أذهلني عنك خوف يوم ... يحيا له كلّ من ألما
ما كسبته يداي وهنا ... خيرا وشرّا أصبت ثما
تحشر فيه الجنان زقّا ... وتحشر النار فيه زمّا «2»
تقول هذي لطالبيها ... هيت وهذي لهم هلمّا
نفسي أولى بأن أذمّا ... من أمرها كلّ ما استذمّا
يا نفس كم تخدعين عما ... بلبس داج وأكل لما «3»
رعيت من ذي الحطام مرعى ... جمعت أكلا له وذمّا
ويحك فاستيقظي ليوم ... يحيا له كلّ من أرمّا «4»
ألم تري يونس بن عبد الأ ... على غدا صامتا فصما
في حفرة ما يحير حرفا ... قد دكّ من فوقها وطما
والمزنيّ الذي إليه ... نعشو إذا دهرنا ادهما «5»
أخفى فؤادي له عزائي ... لكن زفيري عليه نما
كأنما خوّفا فخافا ... أو حذّرا غاشما فصما
أقبل سهم من الرزايا ... فخصّ أعلامنا وعما
دكدك منا ذرا جبال ... شامخة في السماء شما «1»
وخصّنا دون من عليها ... وزاد هما بنا وغما
قد قرب الموت يا بن أمّا ... فبادر الموت يا بن أمّا
واعلم بأن من عصاك جهلا ... من التّقي لم يطعك هما «2»
هو الهدى والرّدى فإمّا ... أتيت آتي الرّدى وإمّا «3»
هأنذا فاعتبر بحالي ... في طبق موصد معمّى
قد أسكنتني الذنوب بيتا ... يخاله الإلف مستحمّا
فهل إلى توبة سبيل ... تكون فيها الهموم هما
فتشكر الله لا سواه ... لعلّ نعماه أن تتمّا
يا نفس جدّي ولا تميلي ... فأفضل البرّ ما استتما
أو ابحثي عن فل ابن فلّ ... تريه تحت التراب رمّا
لبئس عبد يروح بغيا ... مع المساوي تراه دوما
في غمرة العيش لا يبالي ... أحمده الجار أم أدمّا
كم بين هذا وبين عبد ... يغدو خميص الحشى هضما «4»
يقطع آناءه صلاة ... ودهره بالصلاح صوما «5»
إن بهذا الكلام نصحا ... إن لم يواف القلوب صما
يا ربّ لي ألف ألف ذنب ... إن تعف يا ربّ فاعف جما
فابرد بعفو غليل قلب ... كأنّ فيه رسيس حمّى «6»
وقال الغزال:
لعمرى ما ملّكت مقودي الصّبا ... فأمطو للذات في السهل والوعر «7»
ولا أنا ممن يؤثر اللهو قلبه ... فأمسي في سكر وأصبح في سكر
ولا قارع باب اليهوديّ موهنا ... وقد هجع النّوام من شهوة الخمر
وأوتغه الشيطان حتى أصاره ... من الغيّ في بحر أضل من البحر «1»
أغذّ السّرى فيها إذا الشّرب أنكروا ... ورهني عند العلج ثوبي من الفجر «2»
كأني لم أسمع كتاب محمد ... وما جاء في التنزيل فيه من الزجر
كفاني من كل الذي اعجبوا به ... قليلة ماء تستقي لي من النهر
ففيها شرابي إن عطشت وكل ما ... يريد عيالي للعجين وللقدر
بخبز وبقل ليس لحما وانني ... عليه كثير الحمد لله والشكر
فيا صاحب اللّحمان والخمر هل ترى ... بوجهي إذا عاينت وجهي من ضرّ «3»
وبالله لو عمّرت تسعين حجة ... إلى مثلها ما اشتقت فيها إلى خمر
ولا طربت نفسي إلى مزهر ولا ... تحنّن قلبي نحو عود ولا زمر
وقد حدّثوني أن فيها مرارة ... وما حاجة الإنسان في الشرب للمرّ
أخي عدّ ما قاسيته وتقلبت ... عليك به الدنيا من الخير والشر
فهل لك في الدنيا سوى الساعة التي ... تكون بها السراء او حاضر الضر
فما ساق منها لا يحس ولا يرى ... وما لم يكن منها عميّ عن الفكر
فطوبى لعبد اخرج الله روحه ... إليه من الدنيا على عمل البر
ولكنني حدّثت أنّ نفوسهم ... هنالك في جاه جليل وفي قدر
وأجسادهم لا يأكل الترب لحمها ... هنالك لا تبلى الى اخر الدهر
وقال أيضا:
كتبت وشوق لا يفارق مهجتي ... ووجدي بكم مستحكم وتذكري «4»
بقرطبة قلبي وجسمي ببلدة ... نأيت بها عن أهل ودّي ومعشري «1»
سقى الله من مزن السحائب ثرّة ... دياركم اللاتي حوت كل جؤذر «2»
بحق الهوى أقر السلام على التي ... اهيم بها عشقا إلى يوم محشري
لئن غبت عنها فالهوى غير غائب ... مقيم بقلب الهائم المنفطر
كأن لم أبت في ثوبها طول ليلة ... إلى أن بدا وجه الصباح المنوّر
وعانقت غصنا فيه رمّان فضّة ... وقبلت ثغرا ريقه ريق سكر
أأنسى ولا أنسى عناقك خاليا ... وضمّي ونقلي نظم درّ وجوهر
فواحزني أن فرّق الدهر بيننا ... وكدّر وصلا منك غير مكدّر
لقد غرّرت نفسي بحبك ضلة ... ولو علمت عقبى الهوى لم تغرّر «3»
بكيت فما أغنى البكا عند صحبتي ... وشوقي إلى رئم من الإنس أحور «4»
سلام سلام ألف ألف يكرر ... ويا حاملا عني الرسالة كرّر
ألا يا نسيم الريح بلّغ سلامنا ... وصف كلّ ما يلقى الغريب وخبّر
وقل لشعاع الشمس بلّغ تحيتي ... سميّك واقرأها على آل جعفر
وقال أيضا:
أقر السلام على إلف كلفت به ... قدرمت صبرا وطول الشوق لم يرم
ظبي تباعد عن قربي وعن نظري ... فالنفس والهة من شدة الالم
كنا كروحين في جسم غذاؤهما ... ماء المحبة من هام ومنسجم
إلفين هذا بهذا مغرم كلف ... لا واحد في الهوى منا بمتّهم «5»
لله تلك الليالي والسرور بها ... كأنما أبصرتها العين في الحلم
ففرق الدهر شملا كان ملتئما ... منا وجمّع شملا غير ملتئم
ما زلت أرعى نجوم الليل طالعة ... أرجو السلوّ بها إذ غبت عن نجمي
نجم من الحسن ما يجري به فلك ... كأنه الدر والياقوت في النظم
ذاك الذي حاز حسنا لا نظير له ... كالبدر نورا علا في منزل النعم
وقد تناظر والبرجيس في شرف ... وقارن الزّهرة البيضاء في توم «1»
فذاك يشبهه في حسن صورته ... وذا يزيد بخط الشعر والقلم
أشكو إلى الله ما ألقى لفرقته ... شكوى محب سقيم حافظ الذمم
لو كنت أشكو إلى صمّ الهضاب إذا ... تفطرت للذي أبديه من ألم
يا غادرا لم يزل بالغدر مرتديا ... أين الوفاء أبن لي غير محتشم
إن غاب جسمك عن عيني وعن نظري ... فما يغيب عن الأسرار والوهم
إني سأبكيك ما ناحت مطوّقة ... تبكي أليفا على فرع من النّشم «2»












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید