المنشورات

ما يجوز في الشعر مما لا يجوز في الكلام

قال أبو حاتم: أبيح للشاعر ما لم يبح للمتكلم، من قصر الممدود، ومد المقصور، وتحريك الساكن، وتسكين المتحرك، وصرف ما لا ينصرف، وحذف الكلمة ما لم تلتبس بأخرى، كقولهم: فل، من فلان، وحم، من حمام.
قال الشاعر:
وجاءت حوادث من مثلها ... يقال لمثلك: ويها فل
وقال مسلم بن الوليد:
سل الناس إني سائل الله وحده ... وصائن وجهي عن فلان وعن فل
وقال آخر:
دعاء حمامات تجاوبها حم ومن المحذوف أيضا قول الشاعر: «1»
لها أشارير من لحم تتمّره ... من الثّعالي ووخز من أرانيها «2»
يريد «من الثعالب» . ومثله قول الشاعر:
ولضفادي جمّة نقانق
يريد «الضفادع» .
ومن المحذوف قول كعب بن زهير:
ويلمها خلة لو أنها صدقت ... في وعدها أو لو انّ النّصح مقبول
يريد: ويل لأمها. ومنه قولهم: لاه أبوك، يريدون: لله أبوك. وقال الشاعر:
لاه ابن عمّك لا يخا ... ف المبديات من العواقب
وكذلك الزيادة أيضا إذا احتاجوا إليها في الشعر، فمن ذلك قول زهير:
ثم استمرّوا وقالوا إنّ موعدكم ... ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك «3»
قال الاصمعي: سألت نجيبات فيد عن ركك فقيل: ماء هاهنا يسمى ركّا، فعلمت أن زهيرا احتاج فضعّف.
ومنه قول القطامي:
وقول المرء ينفذ بعد حين ... مواضع ليس ينفذها الإبار «4»
ومثله قولهم: كلكال، من كلل. ونظير هذا كثير في الشعر لمن تتبعه.
وأما قصرهم الممدود فجائز في أشعارهم، ومدّ المقصور عندهم قبيح.
وقد يستجاد في الشعر على قبحه، مثل قول حسان بن ثابت:
قفاؤك أحسن من وجهه ... وأمّك خير من المنذر
وأنشد أبو عبيدة:
يا لك من تمر ومن شيشاء ... ينشب في الحلق وفي اللهاء «1»
فمدّ اللها، وهو جمع لهاة. كما قالوا: قطاة وقطا، ونواة ونوى.
وأما تحريك الساكن وتسكين المتحرك، فمن ذلك قول لبيد بين ربيعة:
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النّفوس حمامها
ومثله قول امرىء القيس:
فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل «2»
وقال أمية بن ابي الصلت:
تأبى فما تطلع لهم في وقتها ... إلا معذّبة وإلا تجلد
ومن قولهم في تحريك الساكن:
اضرب عنك الهموم طارقها ... ضربك بالسّوط قونس الفرس «3»
وأما صرف ما لا ينصرف عندهم فكثير، والقبيح عندهم أن لا يصرف المنصرف، وقد يستجاد في الشعر على قبحه، قال عباس بن مرداس:
وما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع
ومن قولهم في تسكين المتحرّك وقد استشهد به سيبويه في كتابه:
عجب الناس وقالوا ... شعر وضّاح اليماني
إنما شعري قند ... قد خلط بجلجلان «1»
ولو حرّك «خلط» اجتمع خمس حركات.










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید