المنشورات

البعيث وجملة من الشعراء والوليد

الهيثم بن عدي قال: دخل رجل من أصحاب الوليد بن عبد الملك عليه فقال: يا أمير المؤمنين، لقد رأيت ببابك جماعة من الشعراء لا احسبهم اجتمعوا بباب احد من الخلفاء، فلو أذنت لهم حتى ينشدوك! فأذن لهم، فأنشدوه، وكان فيهم الفرزدق، وجرير، والاخطل، والاشهب بن رميلة، وترك البعيث فلم يأذن له، فقال الرجل المستأذن لهم: لو أذنت للبعيث! فلم يأذن له، وقال: ليس كهؤلاء، إنما قال من الشعر يسيرا. قال: والله يا أمير المؤمنين إنه لشاعر. فأذن له، فلما مثل بين يديه، قال: يا أمير المؤمنين. إن هؤلاء ومن ببابك قد ظنوا أنك انما أذنت لهم دوني لفضل لهم عليّ. قال: أولست تعلم ذلك؟ قال: لا والله، ولا علمه الله لي، قال: فأنشدني من شعرك. قال: أما والله حتى أنشدك من شعر كل رجل منهم ما يفضحه! فأقبل على الفرزدق، فقال: قال هذا الشيخ الاحمق لعبد بني كليب:
بأيّ رشاء يا جرير وماتح ... تدلّيت في حومات تلك القماقم «1»
فجعله تدلى عليه وعلى قومه من عل وإنما يأتيه من تحته لو كان يعقل.
وقد قال هذا كلب بني كليب:
لقومي أحمى للحقيقة منكم ... وأضرب للجبّار والنقع ساطع «2»
واوثق عند المردفات عشيّة ... لحاقا إذا ما جرد السّيف لامع «3»
فجعل نساءه لا يثقن بلحاقه إلا عشية وقد نكحن وفضحن.
وقال هذا النصرانيّ ومدح رجلا يسمى قينا فهجاه ولم يشعر، فقال:
قد كنت أحسبه قينا وأنبؤه ... فالآن طيّر عن أثوابه الشّرر
وقال ابن رمية ودفع أخاه إلى مالك بن ربيعيّ بن سلمى فقتل، فقال:
مددنا وكانت ضلة من حلومنا ... تبدي إلى أولاد ضمرة أقطعا
فمن يرجو خيره وقد فعل بأخيه ما فعل؟ فجعل الوليد يعجب من حفظه لمثالب القوم وقوة قلبه، وقال له: قد كشفت عن مساوىء القوم، فأنشدني من شعرك.
فأنشده، فاستحسن قوله ووصله وأجزل له.
ومما عيب على الحسن بن هانىء قوله في بعض بني العباس:
كيف لا يدنيك من أمل ... من رسول الله من نفره
فقالوا: من حق رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ان يضاف إليه ولا يضاف هو إلى غيره، ولو اتسع متسع فأجازه لكان له مجاز حسن، وذلك ان يقول القائل من بني هاشم لغيره من أبناء قريش: منا رسول الله صلّى الله عليه وسلم. يريد أنه من القبيلة التي نحن منها، كما قال حسان بن ثابت:
وما زال في الإسلام من آل هاشم ... دعائم عزّ لا ترام ومفخر
بها ليل منهم جعفر، وابن أمّه ... علي، ومنهم أحمد المتخيّر «1»
فقال: منهم، كما قال هذا: من نفره.
ومما أدرك عليه قوله في البعير:
أخنس في مثل الكظام مخطمه «2»
والاخنس: القصير المشافر، وهو عيب له، وإنما توصف المشافر بالسبوطة.
ومما أدرك على أبي ذؤيب قوله في وصف الدّرّة:
فجاء بها ما شئت من لطميّة ... يدور الفرات فوقها وتموج «3»
قالوا: والدّرة لا تكون في الماء الفرات إنما تكون في الماء المالح.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید