المنشورات

باب من أخبار الشعراء

حدث دعبل الشاعر أنه اجتمع هو ومسلم وأبو الشيص وأبو نواس في مجلس، فقال لهم أبو نواس: إن مجلسنا هذا قد شهر باجتماعنا فيه، ولهذا اليوم ما بعده فليأت كلّ واحد منكم بأحسن ما قال فلينشده. فأنشده أبو الشيص فقال:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبّا لذكرك فليلمني اللّوم
وأهنتني فأهنت نفسي صاغرا ... ما من يهون عليك ممن أكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبّهم ... إذ كان حظّي منك حظّي منهم
قال: فجعل أبو نواس يعجب من حسن الشعر حتى ما كاد ينقضي عجبه، ثم أنشده مسلم أبياتا من شعره الذي يقول فيه:
فأقسم أنسى الدّاعيات إلى الصّبا ... يمينا وقد فاجأت والسّتر واقع
فغطّت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع «2»
قال دعبل: فقال لي أبو نواس: هات أبا علي، وكأني بك قد جئتنا بأم القلادة.
فقلت: يا سيدي، ومن يباهيك بها غيري فأنشدته:
أين الشّباب وأيّة سلكا ... أم أين يطلب ضلّ أم هلكا
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
يا ليت شعري كيف صبركما ... يا صاحبيّ إذا دمي سفكا
لا تطلبا بظلامتي أحدا ... قلبي وطرفي في دمي اشتركا
ثم سألناه أن ينشد، فأنشد أبو نواس:
لا تبك هندا ولا تطرب إلى دعد ... واشرب على الورد من حمراء كالورد
كأسا إذا انحدرت في حلق شاربها ... وجدت حمرتها في العين والخدّ
فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة ... في كفّ جارية ممشوقة القدّ
تسقيك من عينها خمرا ومن يدها ... خمرا، فمالك من سكرين من بدّ
لي نشوتان وللّندمان واحدة ... شيء خصصت به من بينهم وحدي
فقاموا كلهم فسجدوا له؛ فقال: افعلتموها أعجميّة؟ لا كلمتكم ثلاثا ولا ثلاثا ولا ثلاثا! ثم قال: تسعة أيام في هجر الاخوان كثير، وفي هجر بعض يوم استصلاح للفساد وعقوبة على الهفوة. ثم التفت فقال: أعلمتم أن حكيما عتب على حكيم، فكتب المعتوب عليه إلى العاتب: يا أخي، إن أيام العمر أقلّ من أن تحتمل الهجر.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید