المنشورات

شعر ابن ابي ربيعة

كان عمر بن ابي ربيعة القرشي غزلا مشبّبا بالنساء الحواجّ، رقيق الغزل؛ وكان الاصمعي يقول في شعره: الفستق المقشر الذي لا يشبع منه! وكان جرير يستبرده ويقول: شعر حجازي، لو اتخذ في تموز لوجد البرد فيه فلما أنشد له:
فلما تلاقينا عرفت الذي بها ... كمثل الذي حذوك النّعل بالنّعل
قال: ما زال يهذي حتى قال الشعر! وقالت العلماء: ما عصي الله بشعر ما عصي بشعر عمر بن ابي ربيعة! وولد عمر بن أبي ربيعة يوم مات عمر بن الخطاب، فسمّي باسمه؛ فقالت العلماء:
أي خير رفع، وأيّ شرّ وضع! ثم إنه تاب في اخر ايامه وتنسك، ونذر لله أن يعتق لله رقبة لكل بيت يقوله؛ وانه حج، فبينما هو يطوف بالبيت اذ نظر إلى فتى من نمير يلاحظ جارية في الطّواف؛ فلما رأى ذلك منه مرار، أتاه، فقال له يا فتى، أما رأيت تصنع؟ فقال له الفتى: يا أبا الخطاب لا تعجل عليّ؛ فإن هذه ابنة عمي، وقد سمّيت لي، ولست أقدر على صداقها، ولا اظفر منها بأكثر مما ترى؛ وانا فلان بن فلان، وهذه فلانة ابنة فلان. فعرفهما عمر، فقال له: اقعد يا ابن أخي عند هذه السارية «1» حتى يأتيك رسولي. ثم ركب دابته حتى أتى منزل عمّ الفتى، فقرع الباب فخرج اليه الرجل، فقال: ما جاء بك يا ابا الخطاب في مثل هذه الساعة؟ قال: حاجة عرضت قبلك في هذه الساعة. قال: هي مقضية. قال عمر: كائنة ما كانت؟ قال: نعم! قال:
فإني قد زوّجت ابنتك فلانة من ابن اخيك فلان: قال: فإني قد أجزت ذلك. فنزل عمر عن دابته، ثم أرسل غلاما إلى داره فأتاه بألف درهم فساقها عن الفتى، ثم أرسل إلى الفتى فأتاه، فقال لابي الجارية: أقسمت عليك إلا ما ابتنى بها هذه الليلة! قال له:
نعم فلما أدخلت على الفتى انصرف عمر الى داره مسرورا بما صنع، فرمى بنفسه على فراشه وجعل يتململ «2» ، ووليدة له عند رأسه، فقالت: يا سيدي، أرقت هذه الليلة أرقا لا أدري ما دهمك؟ فأنشأ يقول:
تقول وليدتي لمّا رأتني ... طربت وكنت قد أقصرت حينا
أراك اليوم قد أحدثت شوقا ... وهاج لك الهوى داء دفينا
وكنت زعمت أنك ذا عزاء ... إذا ما شئت فارقت القرينا
بعيشك هل رأيت لها رسولا ... فشاقك أم لقيت لها خدينا؟ «1»
فقلت: شكا إليّ أخ محبّ ... كبعض زماننا إذ تعلمينا
فقصّ عليّ ما يلقى بهند ... يذكّر بعض ما كنّا نسينا
وذو القلب المصاب وإن تعزّى ... مشوق حين يلقى العاشقينا
ثم ذكر يمينه، فاستغفر الله، وأعتق رقبة لكل بيت.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید