المنشورات

ما غلط فيه على الشعراء

وأكثر ما أدرك على الشعراء له مجاز وتوجيه حسن، ولكن أصحاب اللغة لا ينصفونهم، وربما غلطوا عليهم وتأوّلوا غير معانيهم التي ذهبوا إليها؛ فمن ذلك قول سيبويه واستشهد ببيت في كتابه في إعراب الشيء على المعنى لا على اللفظ وأخطأ فيه:
معاوي إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا «1»
كذا رواه سيبويه على النصب، وزعم أن إعرابه على معنى الخبر الذي في «ليس» ، وإنما قاله الشاعر على الخفض، والشعر كله مخفوض، فما كان يضطره أن ينصب هذا البيت ويحتال على إعرابه بهذه الحيلة الضعيفة، وإنما الشعر:
معاوي إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديد
أكلتم أرضنا فجردتموها ... فهل من قائم أو من حصيد
أتطمع في الخلود إذا هلكنا ... وليس لنا ولا لك من خلود
فهبنا أمّة هلكت ضياعا ... يزيد أميرها وأبو يزيد
ونظير هذا البيت ما ذكره في كتابه أيضا واحتج به في باب النون الخفيفة:
ثبتّم ثبات الخيزرانيّ في الثّرى ... حديثا متى ما يأتك الخير ينفعا «2»
وهذا البيت للنجاشي، وقد ذكره عمرو بن بحر الجاحظ في فخر قحطان على عدنان في شعر كله مخفوض وهو:
أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... بني عامر عنّي يزيد بن صعصع
ثبتّم ثبات الخيزراني في الثّرى ... حديثا متى ما يأتك الخير ينفع
ومثله قول محمد بن يزيد النحوي المعروف بالمبرّد في كتاب الروضة وأدرك على الحسن بن هانيء قوله:
وما لبكر بن وائل عصم ... إلا لحمقائها وكاذبها «1»
فزعم أنه أراد بحمقائها هبنّقة القيس، ولا يقال في الرجل حمقاء، وإنما أراد دغة العجلية، وعجل في بكر، وبها يضرب المثل في الحمق.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید