المنشورات

ابن عبد ربه في رقة التشبيب والشعر المطبوع:

ومن قولنا في رقة التشبيب والشعر المطبوع الذي ليس بدون ما تقدم ذكره:
صحا القلب إلّا خطرة تبعث الأسى ... لها زفرة موصولة بحنين
بلى ربما حلّت عرى عزماته ... سوالف آرام وأعين عين»
لواقط حبات القلوب إذا رنت ... بسحر عيون وانكسار جفون
وريط متين الوشى أينع تحته ... ثمار صدور لا ثمار غصون «2»
برود كأنوار الرّبيع لبسنها ... ثياب تصاب لا ثياب مجون
فرين أديم الليل عن نور أوجه ... تجنّ بها الألباب أيّ جنون «3»
وجوه جرى فيها النعيم فكلّلت ... بورد خدود يجتنى وعيون
سألبس للأيام درعا من العزا ... وإن لم يكن عند اللّقا بحصين
فكيف ولي قلب إذا هبّت الصّبا ... أهبّ بشوق في الضّلوع دفين «4»
ويهتاج منه كلّ ما كان ساكنا ... دعاء حمام لم تبت بوكون «1»
وإنّ ارتياحي من بكاء حمامة ... كذي شجن داويته بشجون
كأنّ حمام الأيك حين تجاوبت ... خزين بكى من رحمة لحزين «2»
ومما عارضت به صريع الغواني في قوله:
أديرا عليّ الرّاح لا تشربا قبلي ... ولا تطلبا من عند قاتانلتي ذحلي «3»
فيا حزنى أني أموت صبابة ... ولكن على من لا يحلّ له قتلي
فديت التي صدّت وقالت لتربها ... دعيه، الثّريّا منه أقرب من وصلي
فقلت على رويّه:
أتقتلني ظلما وتجحدني قتلي ... وقد قام من عينيك لي شاهدا عدل
أطلاب ذحلي ليس بي غير شادن ... بعينيه سحر فاطلبوا عنده ذحلي «4»
أغار على قلبي فلما أتيته ... أطالبه فيه أغار على عقلي
بنفسي التي ضنّت بردّ سلامها ... ولو سألت قتلي وهبت لها قتلي
إذا جئتها صدّت حياء بوجهها ... فتهجرني هجرا ألذّ من الوصل
وإن حكمت جارت عليّ بحكمها ... ولكن ذاك الجور أشهى من العدل
كتمت الهوى جهدي فجدّده الأسى ... بماء البكا هذا يخط وذا يملي
وأحببت فيها العذل حبّا لذكرها ... فلا شيء أشهى في فؤادي من العذل «5»
أقول لقلبي كلّما ضامه الأسى ... إذا ما أبيت العزّ فاصبر على الذلّ
برأيك لا رأيي تعرّضت للهوى ... وأمرك لا أمري وفعلك لا فعلي
وجدت الهوى نصلا من الموت مغمدا ... فجرّدته ثم اتّكأت على النّصل «6»
فإن كنت مقتولا على غير ريبة ... فأنت التي عرّضت نفسي للقتل
فمن نظر إلى سهولة هذا الشعر، مع بديع معناه ورقة طبعه، لم يفضل شعر صريع الغواني عنده إلا بفضل التقدم، ولا سيما إذا قرن قوله في هذا الشعر.
كتمت الذي ألقى من الحبّ عذلي ... فلم يدر ما بي فاسترحت من العذل
بقولي في هذا الشعر:
أحببت فيها العذل حبّا لذكرها ... فلا شيء أشهى في فؤادي من العذل
ومن قولنا في رقة التشبيب وحسن التشبيه:
كم سوسن لطف الحياء بلونه ... فأصاره وردا على وجناته
ومثله:
يا لؤلؤا يسبي العقول أنيقا ... ورشا بتقطيع القلوب رفيقا «1»
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... درّا يعود من الحياء عقيقا
ونظير هذا من قولنا في رقة التشبيب وحسن التشبيه والبديع الذي لا نظير له، والغريب الذي لم يسبق إليه:
حوارء داعبها الهوى في حور ... حكمت لواحظها على المقدور «2»
نظرت إليّ بمقلة أدمانة ... وتلفّتت بسوالف اليعفور «3»
فكأنما غاض الأسى بجفونها ... حتى أتاك بلؤلؤ منثور
ونظير هذا من قولنا:
أدعو إليك فلا دعاء يسمع ... يا من يضرّ بناظريه وينفع
للورد حين ليس يطلع دونه ... والورد عندك كلّ حين يطلع
لم تنصدع كبدي عليك لضعفها ... لكنها ذابت فما تتصدّع
من لي بأجرد ما يبين لسانه ... خجلا وسيف جفونه ما يقطع «1»
منع الكلام سوى إشارة مقلة ... فبها يكلّمني وعنها يسمع
ومثله:
جمال يفوت الوهم في غاية الفكر ... وطرف إذا مافاه ينطق بالسّحر
ووجه أعار البدر حلّة حاسد ... فمنه الذي يسود في صفحة البدر
وقال بشار بن برد:
ويح قلبي ما به من حبّها ... ضاق من كتمانه حتى علن
لا تلم فيها وحسّن حبّها ... كل ما مرّت به العين حسن
وله:
كأنها روضة منوّرة ... تنفّست في أواخر السّحر
ولبشار، وهو أشعر بيت قاله المولّدون في الغزل:
أنا والله أشتهي سحر عيني ... ك وأخشى مصارع العشاق
وله:
حوراء إن نظرت إلي ... ك سقتك بالعينين خمرا
وكأنها برد الشرا ... ب صفا ووافق منك فطرا.
ولأبي نواس:
وذات خدّ مورّد ... قوهيّة المتجرّد «2»
تأمّل العين من ... ها محاسنا ليس تنفد
فبعضه في انتهاء ... وبعضه يتولّد
وكلما عدت فيه ... يكون في العود أحمد
وله أيضا:
ضعيفة كرّ الطّرف تحسب أنها ... قريبة عهد في الإفاقة من سقم










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید