المنشورات

قول في الحمام

قال أبو الحسن الاخفش: قال جحدر العكلي «3» ، وكان لصّا:
وقدما هاجني فازددت شوقا ... بكاء حمامتين تجاوبان
تجاوبتا بلحن أعجميّ ... على عودين من غرب وبان «4»
فكان البان أن بانت سليمى ... وفي الغرب اغتراب غير دان
وقال آخر:
وتفرّقوا بعد الجميع لأنّه ... لا بدّ ان يتفرّق الجيران
لا تصبر الإبل الجياد تفرّقت ... بعد الجميع، ويصبر الإنسان!
وقال آخر:
فهل ريبة في أن تحنّ نجيبة ... إلى إلفها أو أن يحنّ نجيب «1»
وإذا رجعت الإبل الحنين كان ذلك أحسن صوت يهتاج له المفارقون كما يهتاجون لنوح الحمام.
وقال عوف بن محلّم:
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك ميّاد ففيم تنوح؟ «2»
وكل مطوّقة عند العرب حمامة، كالدّبسي والقمري والورشان وما أشبه ذلك؛ وجمعها حمام، ويقال: حمامة، للذكر والانثى، كما يقال: بطة، للذكر والانثى؛ ولا يقال حمام إلّا في الجمع، والحمامة تبكي وتغني وتنوح وتغرد وتسجع وتقرقر وتترنم؛ وإنما لها أصوات سجيع لا تفهم فيجعله الحزين بكاء، ويجعله المسرور غناء.
قال حميد بن ثور:
وما هاج هذا الشوق الا حمامة ... دعت ساق حرّ ترحة وترنما
مطوّقة خطباء تسجع كلّما ... دنا الصّيف وانزاح الربيع فأنجما»
تغنّت على غصن عشاء فلم تدع ... لنائحة في نوحها متلوّما
فلم أر مثلي شاقه صوت مثلها ... ولا عربيا شاقه صوت أعجما
وقال مجنون بني عامر:
ألا يا حمامات اللّوى عدن غدوة ... فإني الى اصواتكنّ حزين
فعدن، فلما عدن كدن يمتني ... وكدت بأشجاني لهنّ أبين
فلم تر عيني مثلهنّ بواكيا ... بكين ولم تذرف لهنّ عيون!
وقال حبيب في المعنى:
هنّ الحمام فإن كسرت عيافة ... من حائهنّ فإنّهنّ حمام «1»
وقال:
كما كاد ينسى عهد ظيماء باللّوى ... ولكن أملّته عليّ الحمائم
بعثن الهوى في قلب من ليس هائما ... فقل في فؤادي رعنه وهو هائم
لها نغم ليست دموعا فإن علت ... مضت حيث لا تمضي الدّموع السواجم «2»
ومن قولنا في الحمام
فكيف، ولي قلب إذا هبّت الصّبا ... أهاب بشوق في الضلوع مكين «3»
ويهتاج منه كلّ ما كان ساكنا ... دعاء حمام لم تبت بوكون
وكان ارتياحي من بكاء حمامة ... كذي شجن داويته بشجون
كأنّ حمام الأيك لما تجاوبت ... حزين بكى من رحمة لحزين
ومن قولنا في المعنى:
ونائح في غصون الأيك أرّقني ... وما عنيت بشيء ظلّ يعنيه
مطوّق بخضاب ما يزايله ... حتى تفارقه إحدى تراقيه
قد بات يشكو بشجو ما دريت به ... وبتّ أشكو بشجو ليس يدريه
ومن قولنا فيه:
أناحت حمامات اللّوى أم تغنّت ... فأبدت دواعي قلبه ما أجنّت
فديت التي كانت ولا شيء غيرها ... منى النفس لو تقضى لها ما تمنت
ومن قولنا:
لقد سجعت في جنح ليل حمامة ... فأيّ أسى هاجت على الهائم الصبّ «4»
لك الويل كم هيّجت شجوا بلا جوى ... وشكوى بلا شكوى وكربا بلا كرب «1»
وأسكبت دمعا من جفون مسهّد ... وما رقرقت منك المدامع بالسّكب
وقال ذو الرمة:
رأيت غرابا ناعبا فوق بانة ... من القضب لم ينبت لها ورق نضر «2»
فقلت غراب لاغتراب وبانه ... لبين النّوى هذا العيافة والزّجر













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید