المنشورات
ما يجوز أن يكون حرف رويّ وما لا يجوز أن يكونه
أعلم أن حروف الوصل كلها لا يجوز أن تكون رويا، لانها دخلت على القوافي بعد تمامها، فهي زوائد عليها، ولانها تسقط في بعض الكلام، فإذا كان ما قبل حرف الوصل ساكنا فهو حرف الرويّ، لانها لا تكون [وصلا] وقبلها حرف الروي ساكنا، نحو قول الشاعر:
أصبحت الدنيا لأربابها ... ملهى وأصبحت لها ملهى
كأنني أحرم منها على ... قدر الذي نال أبي منها
وإذا حرّكت ياء الوصل أو واو الوصل، جاز لها أن تكون رويا، كما قال زهير:
ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى ... من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
وقال عبد الله بن قيس الرّقيّات:
إنّ الحوادث بالمدينة قد ... شيّبتني وقرعن مروتيه «2»
كذلك الهاء من طلحة وحمزة وما أشبههما، [يجوز أن تكون وصلاو] ان تكون رويا، [الجواز] أن تطلق فتعود تاء، فإذا كان ذلك فأنت فيها بالخيار: إن شئت جعلتها رويا، أو وصلا لما قبلها، وجعلها أبو النجم رويا فقال:
أقول إذ جئن مربّجات ... ما أقرب الموت من الحياة «3»
كذلك التاء [من] نحو اقشعرت واستهلّت، والكاف [من] نحو مالكا وفعالكا، فقد يجوز أن تكون رويا، وقد يجوز أن تكون وصلا، وإنما جاز أن تكون رويا، لانها أقوى من حرف الوصل، وجاز أن تكون وصلا، لانها دخلت على القوافي بعد تمامها، وقد جعلت الخنساء التاء وصلا ولزمت ما قبلها، فقالت:
أعينيّ هلّا تبكيان أخاكما ... إذا الخيل من طول الوجيف اقشعرّت «1»
فلزمت الراء في الشعر كله وجعلت التاء صلة. وقال آخر فجعل التاء رويا:
الحمد لله الذي استقلّت ... بإذنه السّماء واطمأنّت
وقال حسان فجعل الكاف رويا:
دعوا فلجات الشام قد حيل بينها ... بطعن كأفواه المخاض الاوارك «2»
بأيدي رجال هاجروا نحو ربّهم ... بأسيافهم حقّا وأيدي الملائك
وقال:
إذا سلكت بالرّمل من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطريق هنالك
وهنالك كافها زائدة، تقول للرجل هنالك، وللمرأة هنالك.
وقال غيره:
أيا خالدا يا خير أهل زمانكا ... لقد شغل الافواه حسن فعالكا
فجعل الكاف رويّا، وقد يجوز أن تكون وصلا ويلزم ما قبلها، وكذلك فعالكم وسلامكم: الميم الآخرة حرف الروي، كما قال الشاعر:
بنو أميّة قوم من عجيبهم ... أنّ المنون عليهم والمنون هم
الميم حرف الرويّ، وقد جعلها بعض الشعراء وصلا مع الهاء والكاف التي قبلها، لانهما حرفا إضمار، كالهاء والكاف، ولحقت الاسم بعد تمامه كما لحقت الهاء والكاف في نحو قوله:
زر والديك وقف على قبريهما ... فكأنّني بك قد نقلت إليهما
ومثله لامية بن أبي الصلت:
لبّيكما لبّيكما ... ها أنا ذا لديكما
وأما النسبة، مثل ياء قرشي وثقفي وما أشبه ذلك، إذا كانت خفيفة فأنت فيها بالخيار: إن شئت جعلتها رويا، وإن شئت وصلا، نحو قول الشاعر:
إني لمن أنكرني ابن اليثربي ... قتلت علباء وهند الجملي
فجعل الياء الخفيفة رويا، وإذا كانت النسبة مثقلة، مثل قرشي وثقفّي، لم تكن إلا رويا.
وإذا قال شعرا على «حصاها» و «رماها» ، لم تكن الهاء الا حرف الرويّ، ومن بنى شعرا على «اهتدى» فجعل الدال رويا، جاز له ان يجعل مع ذلك «أحمدا» ، وإن جعل الياء من «اهتدى» حرف الروي، لم يجز معها «أحمدا» وجاز له معها «بشرى، وحبلى، وعصا، وأفعى» ، ومن ذلك قول الشاعر:
داينت أروي والدّيون تقضى ... فمطلت بعضا وأدّت بعضا
فلزم الضاد من «تقضى» وجعل الياء وصلا، فشبهها بحرف المد الذي في القافية، ومثله:
ولأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري
ومثله:
هجرتك بعد تواصل دعد ... وبدا لدعد بعض ما يبدو
و «يرمي» مع «يقضي» جائز إذا كان الياء حرف الرويّ لانها من أصل الكلمة.
ومما لا يجوز أن يكون رويا، الحروف المضمرة كلها، لدخولها على القوافي بعد تمامها، مثل: اضربا، واضربوا، واضربي، لان الف «اضريا» لحقت اضرب وواو «اضربوا» لحقت اضرب، وياء «اضربي» لحقت اضرب- بعد تمامها، فلذلك كانت وصلا، ولانها زائدة مع هذا في نحو قول الشاعر:
لا يبعد الله جيرانا تركتهم ... لم أدر بعد غداة البين ما صنع
يريد: ما صنعوا. ومثله:
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي ... وعمي صباحا دار عبلة واسلم
يريد: واسلمي، فجعل الياء وصلا، وبعضهم جعلها رويا على قبح.
وأما ياء «غلامي» فهي أضعف من ياء «اسلمي» ، لانها قد تحذف في بعض المواضع تقال: هذا غلام، تريد غلامي، وقالوا: يا غلام أقبل، في النداء وواغلاماه، فحذفوا الياء، وبعضهم يجعلها رويا على ضعفها، كما قال:
إني آمرؤ أحمي ذمار إخوتي ... إذا رأوا كريهة يرمون بي
ومثله:
إذا تغدّيت وطابت نفسي ... فليس في الحيّ غلام مثلي
قال الاخفش: وقد كان الخليل يجيز «إخواني» مع «أصحابي» ويأبى عليه العلماء، ويحتج بقول الشاعر:
بازل عامين حديث سنّي ... لمثل هذا ولدتني أمّي «1»
وحرف الإضمار إذا كان ساكنا كان ضعيفا، فإذا تحرّك قوي وجاز أن يكون رويا، كقول الشاعر:
ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى ... من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
وإنما جاز للكاف أن يكون رويا ولم يجز ذلك للهاء وكلاهما حرف إضمار، لان الكاف أقوى عندهم من الهاء وأثبت في الكلام، وإذا خاطبت الذكر والمؤنث لا تبدل صورتها كما تبدل الهاء في غلامه وغلامها، وإذا قلت: مررت بغلامك، ورأيت غلامك، فالكاف في حال واحدة، والهاء مضطربة في قولك: رأيت غلامه، ومررت بغلامه، وإنما جاز فيها ان تكون وصلا أيضا كما تكون الهاء، لانها تشبهت بالهاء، إذ كانت حرف إضمار كالهاء، ودخلت على الاسم كدخول الهاء، وكانت اسما للحرف كما تكون الهاء، وإنما خالفتها بالشيء اليسير، وأما قولك: ارمه، واغزه، فلا تكون الهاء ههنا رويا، لانها لحقت الاسم بعد تمامه، ولانها زوائد فيه وأنها دخلت لتبين حركة [الزاي] من اغزه والميم من ارمه، وقد تكون تدخل للوقف أيضا.
واذا كانت الهاء اصلية لم تكن إلا رويا، مثل قول الشاعر:
قالت أبنّا لي وإلا أسفه ... ما السّوء إلا غفلة المدلّه
ومن بنى شعرا على «حيّ» جاز له فيه «طيّ» و «رمى» ، لأنّ الياء الاولى من حيّ، ليست بردف، لانها من حرف مثقل قد ذهب مدّه ولينه، قال سيبويه: وإذا قال الشعر: تعالى، أو تعالوا، لم تكن الياء والواو إلا رويا، لان ما قبلهما انفتح، فلما صارت الحركة التي قبلهما غير حركتهما ذهبت قوّتهما في المدّ وأكثريتهما، وكذلك:
أخشى واخشوا، وكل ياء أو واو انفتح ما قبلها، وكذلت هذه الياء والواو إذا تحرّكتا لم تكونا إلا حرف روي، لذهاب اللين والمدّ وكذلك قوله: رأيت قاضيا، وراميا، وأريد ان يغزو، وتدعو، في قافيتين من قصيدة.
وأمّا الميم من غلامهم وسلامهم، فقد تكون رويا، وقد تكون وصلا ويلزم ما قبلها، كما قال الشاعر:
يا قاتل الله عصبة شهدوا ... خيف منّي لي ما كان أسرعهم
إن نزلوا لم يكن لهم لبث ... أو رحلوا أعجلوا مودّعهم
لا غفر الله للحجيج إذا ... كان حبيبي إذا نأوا معهم!
فالعين هنا حرف الرويّ، والهاء والميم صلة، كحروف الإضمار كلها التي تقدّم ذكرها، ولا يحسن أن يكون رويا إلا ما كان منها محرّكا، لأنّ المتحرّك أقوى من الساكن، وذلك مثل ياء الإضافة التي ذكرنا، أو ما كان منها حرفا قويا: مثل الكاف والميم والنون، فإنها تكون رويا ساكنة كانت أو متحرّكة، وذلك مثل قول الشاعر:
قفي لا يكن هذا تعلّة وصلنا ... لبين، ولا ذا حظّنا من نوالك
ثم قال:
أبرّ وأوفى ذمّة بعهوده ... إذا وازنت شمّ الذّرى بالحوارك
وقال آخر:
قل لمن يملك الملو ... ك وإن كان قد ملك
قد شريناك مرة ... وبعثنا إليك بك
وقال آخر في الهاء:
رموني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
ولآخر:
نمت في الكرام بني عامر ... فروعي وأصلي قريش العجم
فهم لي فخر إذا عدّدوا ... كما أنا في الناس فخر لهم
وقال آخر في النون:
طرحتم من التّرحال أمرا فعمّنا ... فلو قد رحلتم صبّح الموت بعضنا
وقال آخر:
فهل يمنعني ارتيادي البلا ... دمن حذر الموت أن يأتين
أليس أخو الموت مستوثقا ... عليّ فإن قلت قد أنسأن
وأمّا الهاء فقد أجمعوا ان لا تكون رويا لضعفها، إلا أن يكون ما قبلها ساكنا كما قد ذكرنا.
ومن بنى شعرا على «اخشوا» جاز له معها «طغوا، وبغوا، وعصوا» ، فتكون الواو رويا لانفتاح ما قبلها وظهورها، مع القبح، لانها مع الضمة صلة، ولا تكون هذه إلا رويا.
مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد
ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار
الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،
1404 هـ
15 مايو 2024
تعليقات (0)