المنشورات

أخبار ابن أبي عتيق

هو وعائشة
: ذكر رجل من أهل المدينة أنّ ابن أبي عتيق- وهو عبد الله بن محد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق- دخل على عائشة أم المؤمنين- وهي عمته- فوضع رأسه في حجرها- أو على ركبتها- ثم رفع عقيرته يتغني:
ومقيّر حجل جررت برجله ... بعد الهدؤ له قوائم أربع
فاطرب زمان اللهو من زمن الصّبا ... وانزع إذا قالوا أبي لا ينزع
فليأتينّ عليك يوما مرّة ... يبكي عليك مقنّعا لا تسمع
قالت عائشة: يا بنيّ، فاتق ذلك اليوم.
هو وكثير
: حدّث أبو عبد الله محمد بن عرفة بواسط. قال: حدثني أحمد بن [محمد بن] يحيى عن الزبير بن بكار عن سليمان بن عباس السعدي عن السائب راوية كثير قال: قال لي كثير يوما: قم بنا إلى ابن أبي عتيق نتحدث عنده. قال: فجئناه، فوجدناه عنده ابن معاذ المغني، فلما رأى كثيرا، قال لابن أبي عتيق: ألا أغنيك بشعر كثيّر؟ [قال:
بلى] ، فاندفع يغني بشعره حيث يقول:
أبائنة سعدى؟ نعم ستبين! * كما انبتّ من حبل القرين قرين
أإن زمّ أجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البين أنت حزين
كأنت لم تسمع ولم تر قبلها ... تفرّق أحباب لهنّ حنين
فأخلفن ميعادي وخن أمانتي ... وليس لمن خان الأمانة دين
فالتفت ابن أبي عتيق إلى كثيّر فقال: وللدّين صحبتهن يا بن أبي جمعة؟ ذلك والله أشبه بهن وأدعى للقلوب إليهن، وإنما يوصفن بالبخل والامتناع، وليس بالأمانة والوفاء؛ وابن قيس الرقيات أشعر منك حيث يقول:
حبّذا الادلال والغنج ... والتي في طرفها دعج «1»
والتي إن حدّثت كذبت ... والتي في ثغرها فلج «2»
وخبّروني هل على رجل ... عاشق في قلبه حرج
فقال كثيّر: قم بنا من عند هذا! ثم نهض.
هو وابن جعفر
: وقال عبد الله بن جعفر لابن أبي عتيق، لو غنتك فلانة جاريتي صوتا ما أدركت ذكاتك! قال ابن أبي عتيق: قل لها تفعل وليس عليك إن مت ضمان! فأخذ بيده عبد الله بن جعفر وأدخله منزله، ثم أمر الجارية فخرجت، وقال لها: هات. فغنت:
بهواك صيّرني العذول نكالا ... وجد السبيل إلى المقال فقالا
ونهيت نومي عن جفوني فانتهى ... وأمرت ليلي أن يطول فطالا
قال: فرمى بنفسه ابن أبي عتيق إلى الأرض وقال: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ
«1» .
هو وعبد الملك وابن جعفر
: أبو القاسم جعفر بن محمد قال: لما وصف عبد الله بن جعفر لعبد الملك بن مروان ابن أبي عتيق، وحدّثه عن إقلاله وكثرة عياله. أمره عبد الملك بن مروان أن يبعث به إليه. فأتاه ابن جعفر، فأعلمه بما دار بينه وبين عبد الملك. وبعثه إليه. فدخل ابن أبي عتيق على عبد الملك فوجده جالسا بين جاريتين قائمتين عليه، يميسان «2» كغصني بان بيد كل جارية مروحة تروّح بها عليه، مكتوب بالذهب في المروحة الواحدة:
إنني أجلب الرّيا ... ح وبي يلعب الخجل
وحجاب إذا الحبيب ... ثنى الرأس للقبل
وغياث إذا النّد ... يم تغني أو ارتجل
وفي المروحة الأخرى:
أنا في الكفّ لطيفه ... مسكني قصر الخليفه
أنا لا أصلح إلا ... لظريف أو ظريفه
أو وصيف حسن القدّ ... شبيه بالوصيفه
قال ابن أبي عتيق: فلما نظرت إلى الجاريتين هوّنتا الدنيا عليّ، وأنستاني سوء حالي؛ قلت: إن كانتا من الإنس فما نساؤنا إلا من البهائم! فكلما كررت بصري فيهما تذكرت الجنة، فإذا تذكرت امرأتي- وكنت لها محبا- تذكرت النار! قال: فبدأ عبد الملك يتوجع إليّ بما حكى له ابن جعفر عني، ويخبرني بمالي عنده من جميل الرأي؛ فأكذبت له كلّ ما حكاه له ابن جعفر عني، ووصفت له نفسي بغاية الملاء والجدة؛ فامتلأ عبد الملك سرورا بما ذكرت له، وغما بتكذيب ابن جعفر؛ فلما عاد إليه ابن جعفر، عاتبه عبد الملك على ما حكاه عني وأخبره بما حلّيت به نفسي؛ فقال: كذب والله يا أمير المؤمنين، وإنّه أحوج أهل الحجاز إلى قليل فضلك، فضلا عن كثيره! ثم خرج عبد الله فلقيني، فقال: ما حملك أن كذّبتني عند أمير المؤمنين؟ قلت: أفكنت تراني تجلسني بين شمس وقمر، ثم أتفاقر عنده! لا والله ما رأيت ذلك لنفسي وإن رأيته لي! فلما أعلم بذلك عبد الله بن جعفر عبد الملك بن مروان، قال: فالجاريتان له! قال: فلما صارتا إليّ زرت عبد الله بن جعفر، فوجدته قد امتلأ فرحا، وهو يشرب، وبين يديه عس «1» فيه عسل ممزوج بمسك وكافور، فقال: مهيم! قلت: قد والله قبضت الجاريتين. قال: فاشرب. فتناولت العس فجرعت منه جرعة، فقال لي: زد؛ فأبيت عليه، فقال لجارية له عنده تغنيه: إن هذا قد حاز اليوم غزالتين من عند أمير المؤمنين؛ فخذي في نعتهما؛ فإنهما كما فلّكت «2» صدورهما. فحركت الجارية العود ثم غنت:
عهدي بها في الحيّ قد جردت ... صفراء مثل المهرة الضامر
قد حجم الثّدي على نحرها ... في مشرق ذي بهجة ناضر
لو أسندت ميتا إلى صدرها ... قام ولم ينقل إلى قابر
حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميّت الناشر
قال: فلما سمعت الأبيات طربت، ثم تناولت العس فشربت عللا بعد نهل، ورفعت عقيرتي أغني:
سقوني وقالوا لا تغنّ ولو سقوا ... جبال حنين ما سقوني لغنّت
هو وأبو السائب
: قال: وخرج أبو السائب وابن أبي عتيق يوما يتنزهان في بعض نواحي مكة فمال أبو السائب ليبول وعليه طويلته؛ فانصرف دونها، فقال له ابن أبي عتيق: ما فعلت طويلتك؟ قال: ذكرت قول كثيّر:
أرى الإزار على لبنى فأحسده ... إن الإزار على ما ضمّ محسود
فتصدقت بها على الشيطان الذي أجرى هذا البيت على لسانه! فأخذ ابن أبي عتيق طويلته فرمى بها، وقال: أتسبقني أنت إلى برّ الشيطان!
سليمان ومغن
: سمع سليمان بن عبد الملك مغنيا في عسكره، فقال: اطلبوه. فجاءوا به، فقال:
أعد عليّ ما تغنيت به. فغنى واحتفل- وكان سليمان أغير الناس- فقال لأصحابه:
كأنها والله جرجرة «1» الفحل في الشول، وما أحسب أنثى تسمع هذا إلا صبت! وأمر به فخصي.










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید