المنشورات
عثمان بن حيان وابن أبي عتيق في تحريم الغناء
: وكان ابن أبي عتيق من نبلاء قريش وظرفائهم؛ فمن ظريف أخباره:
أن عثمان بن حيان المرّي لما دخل المدينة واليا عليها، اجتمع إليه الأشراف من قريش والأنصار، فقالوا له: إنك لا تعمل عملا أحرى ولا أولى من تحريم الغناء والرثاء. ففعل، وأجّلهم ثلاثا؛ فقدم ابن أبي عتيق في الليلة الثالثة، وكان غائبا، فحط رحله بباب سلّامة الزرقاء، وقال: بدأت بك قبل أن أصير إلى منزلي! قالت:
أو ما تدري ما حدث بعدك؟ وأخبرته الخبر؛ فقال: أقيمي إلى السّحر حتى ألقاه.
فلقيه، فأخبره أنه إنما أقدمه حبّ التسليم عليه، وقال له: إن أفضل ما عملت تحريم الغناء والرثاء. فقال: إن أهلك أشاروا عليّ بذلك. فقال: إنهم وفّقوا ووفّقت، ولكني رسول امرأة إليك تقول: قد كانت هذه صناعتي فتبت إلى الله منها، وأنا أسألك أيها الأمير أن لا تحول بينها وبين محاورة قبر النبي صلّى الله عليه وسلم! فقال عثمان: إذا أدعها. فقال: إذا لا تدعك الناس؛ ولكن تدعو بها فتنظر إليها، فإن كان يجوز تركها تركتها. قال: فادع بها. فأمر ابن أبي عتيق فتنقّبت وأخذت سبحة «1» في يدها، وصارت إليه، فحدّثته عن مآثر آبائه، ففكه بها فقال ابن أبي عتيق: أريد أن أسمع الأمير قراءتها. ففعلت؛ فحركه حداؤها. ثم قال له ابن أبي عتيق: فكيف لو سمعتها في صناعتها التي تركتها! فقال له: قل لها فلتغنّ. فغنت:
شددّت خصاص البيت لما دخلته ... بكلّ بنان واضح وجبين «2»
فنزل عثمان عن سريرة ثم جلس بين يديها، وقال: لا والله ما مثلك يخرج عن المدينة! فقال ابن أبي عتيق: يقول الناس: أذن لسلّامة ومنع غيرها! فقال له: قد أذنت لهم جميعا! وذكر لابن أبي عتيق أن المخنثين خصوا، وأنه خصي فلان فيهم- لواحد منهم كان يعرفه-، فقال ابن أبي عتيق: إنا لله! لئن خصي لقد كان يحسن:
لمن ربع بذات الجي ... ش أمسى دراسا خلقا
ثم استقبل ابن أبي عتيق القبلة، فلما كبّر سلّم، ثم قال لأصحابه: أما إنه كان يحسن خفيفه، فأما ثقيله فلا. ثم كبّر.
مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد
ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار
الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،
1404 هـ
15 مايو 2024
تعليقات (0)