المنشورات

أخبار عنان وغيرها من القيان

حدّث محمد بن زكريا الغلابي بالبصرة قال: حدثنا ابراهيم بن عمر قال: كان الرشيد قد استعرض عنان جارية الناطفي ليشتريها، وقال لها: أنا والله أحبّك! ثم أمسك عن شرائها؛ فجلس ليلة مع سمّاره، فغناه بعض من حضر من المغنين بأبيات جرير حيث يقول:
إنّ الذين غدوا بلبّك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا «1»
قال: فطرب الرشيد لها طربا شديدا، وأعجب بالابيات، وقال لجلسائه: هل منكم أحد يجيز هذه الابيات بمثلهنّ، وله هذه البدرة؟ - وبين يديه بدرة من دنانير- قال:
فلم يصنعوا شيئا؛ فقال خادم على رأسه: أنا لك بها يا أمير المؤمنين. قال: شأنك.
فاحتمل البدرة؛ ثم أتى الناطفيّ فقال له: استأذن لي على عنان. فأذنت له، فدخل وأخبرها الخبر؛ فقالت: ويحك! وما الابيات؟ فأنشدها إياها، فقالت له: اكتب:
هيّجت بالقول الذي قد قلته ... داء بقلبي ما يزال كمينا
قد أينعت ثمراته في طينها ... وسقين من ماء الهوى فروينا
كذب الذين تقوّلوا يا سيدي ... إنّ القلوب إذا هوين هوينا
فقالت له: دونك الابيات. فدفع إليها البدرة ورجع إلى هارون، فقال: ويحك! من قالها؟ قال: عنان جارية الناطفي. فقال: خلعت الخلافة من عنقي إن باتت إلا عندي! قال: فبعث إلى مولاها فاشتراها منه بثلاثين ألفا، وباتت بقية تلك الليلة عنده! وقال الاصمعي: ما رأيت الرشيد مبتذّلا قط إلا مرة، كتبت إليه عنان جارية الناطفى رقعة فيها:
كنت في ظلّ نعمة بهواكا ... آمنا لا أخاف جفاكا
فسعى بيننا الوشاة فأقرر ... ت عيون الوشاة بي فهناكا
ولعمري لغير ذا كان أولى ... بك في الحق يا جعلت فداكا
قال: فأخذ الرقعة بيده وعنده ابو جعفر الشطرنجي، فقال: أيكم يشير إلى المعنى الذي في نفسي فيقول فيه شعرا وله عشرة آلاف درهم؟ فظننت أنه وقع بقلبه أمر عنان، فبدر ابو جعفر:
مجلس ينسب السرور إليه ... لمحبّ ريحانه ذكراكا
فقال: يا غلام، بدرة! قال الاصمعي: وقلت:
لم ينلك الرجاء أن تحضريني ... وتجافت أمنيّتي عن سواكا
قال: أحسنت والله يا أصمعي، لها ولك بهذا البيت عشرون ألفا.
قال جرير:
كلما دارت الزجاجة والكأ ... س أعارته صبوة فبكاكا
فقال: أنا أشعركم حيث أقول:
قد تمنيت ان يغشّين ... الله نعاسا لعلّ عيني تراكا
قلنا له: صدقت والله يا أمير المؤمنين.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید