المنشورات

زرارة ولقيط وابنة ذي الجدين

الشيباني قال: حدثنا بعض أصحابنا، ان زرارة بن عدس نظر إلى ابنه لقيط فقال: مالي أراك مختالا؟ كأنك جئتني بابنة ذي الجدّين أو مائة من هجائن «1» النعمان! فقال: والله لا يمسّ رأسي دهن حتى آتيك بهما أو أبلي عذرا! فانطلق حتى اتى ذا الجدين- وهو قيس بن مسعود الشيباني- فوجده جالسا في نادي قومه من شيبان، فخطب إليه ابنته علانية؛ فقال له: هلا ناجيتني؟ قال: ومن أنت؟ قال:
لقيط بن زرارة، قال: لا جرم، لا تبيتن فينا عزبا ولا محروما! فزوّجه وساق عنه المهر، وبنى بها من ليلته تلك.
ثم خرج إلى النعمان، فجاء بمائتين من هجائنه؛ وأقبل إلى أبيه وقد وفى نذره فبعث إليه قيس بن مسعود بابنته مع ولده بسطام بن قيس؛ فخرج لقيط يتلقاها في الطريق ومعه ابن عم له يقال له قراد، فقال لقيط:
هاجت عليّ ديار الحيّ أشجانا ... واستقبلوا من نوى الجيران قربانا «1»
تامت فؤادك لم تقض التي وعدت ... إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا
فانظر قراد وهل في نظرة جزع ... عرض الشقائق؛ هل بيّنت أظعانا
فيهنّ جارية نضح العبير بها ... تكسى ترائبها درّا ومرجانا
كيف اهتديت ولا نجم ولا علم ... وكنت عندي نئوم الليل وسنانا «2»
ولما رحل بها بسطام بن قيس، قالت: مرّوا بي على أبي أودعه! فلما ودعته قال لها:
يا بنية، كوني له امة يكن لك عبدا وليكن أطيب طيبك الماء؛ ثم لا أذكرت ولا أيسرت؛ فإنك تلدين الأعداء، وتقرّبين البعداء! إن زوجك فارس من فرسان مضر، [وإنه يوشك أن يقتل او يموت] ؛ فإذا كان ذلك فلا تخمشي [عليه] وجها، ولا تحلقي شعرا.
فلما قتل لقيط تحملت إلى اهلها، ثم مالت إلى محلّة عبد الله بن دارم فقالت: نعم الأحماء كنتم يا بني دارم، وأنا أوصيكم بالغرائب خيرا، فلم أر مثل لقيط.
ثم لحقت بقومها، فتزوجها ابن عمّ لها، فكانت لا تسلو عن ذكر لقيط، فقال لها زوجها: اي يوم رأيت فيه لقيطا احسن في عينك؟ قالت: خرج يوما يصطاد، فطرد البقر فصرع منها، ثم أتاني مختضبا بالدماء، فضمني ضمة، ولثمني لثمة، فليتني مت ثمة! فخرج زوجها ففعل مثل ذلك، ثم أتاها، فضمها، ولثمها، ثم قال لها: من أحسن، أنا أم لقيط عندك؟ قالت: مرعى ولا كالسعدان.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید