المنشورات

هند وزواجها من أبي سفيان

وذكروا ان هند بنت عتبة بن ربيعة قالت لابيها: يا أبت: إنك زوّجتني من هذا الرجل ولم تؤامرني في نفسي، فعرض لي معه ما عرض؛ فلا تزوّجني من احد حتى تعرض عليّ امره، وتبيّن لي خصاله، فخطبها سهيل بن عمرو، وأبو سفيان بن حرب. فدخل عليها أبوها وهو يقول:
أتاك سهيل وابن حرب وفيهما ... رضا لك يا هند الهنود ومقنع
وما منهما إلا يعاش بفضله ... وما منهما إلا يضرّ وينفع
وما منهما إلا كريم مرزّأ ... وما منهما إلا أغرّ سميدع «1»
فدونك فاختاري فأنت بصيرة ... ولا تخدعي إن المخادع يخدع
قالت: يا أبت، والله ما أصنع بهذا شيئا، ولكن فسّر لي أمرهما وبيّن لي خصالهما، حتى أختار لنفسي أشدّهما موافقة لي. فبدأ بذكر سهيل بن عمرو، فقال:
أما أحدهما ففي ثروة واسعة من العيش، إن تابعتيه تابعك، وإن ملت عنه حطّ إليك، تحكمن عليه في أهله وماله. واما الآخر فموسّع عليه، منظور إليه، في الحسب الحسيب، والرأي الأريب، مدره أرومته، وعزّ عشيرته. شديد الغيرة، كثير الظّهرة، لا ينام على ضعة، ولا يرفع عصاه عن أهله.
فقالت: يا أبت، الأوّل سيد مضياع للحرّة، فما عست ان تلين بعد إبائها، وتضيع تحت جناحه، إذا تابعها بعلها فأشرت، وخافها أهلها فأمنت، فساء عند ذلك حالها، وقبح عند ذلك دلالها، فإن جاءت بولد أحمقت، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت؛ فاطو ذكر هذا عني، ولا تسمّه عليّ بعد. وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة، الحرّة العفيفة، وإني للتي لا أريب له عشيرة فتعيره، ولا تصيّره بذعر فتضيره، وإني لأخلاق مثل هذا لموافقة، فزوّجنيه.
فزوجها من أبي سفيان، فولدت له معاوية، وقبله يزيد؛ فقال في ذلك سهيل بن عمرو:
نبّئت هندا تبّر الله سعيها ... تأبّت وقالت وصف أهوج مائق «2» 
وما هوجي يا هند إلا سجيّة ... أجرّ لها ذيلي بحسن الخلائق
ولو شئت خادعت الفتى عن قلوصه ... ولاطمت بالبطحاء في كل شارق «1»
ولكنني أكرمت نفسي تكرّما ... ودافعت عنها الذّم عند الخلائق
وإني إذا ما حرّة ساء خلقها ... صبرت عليها صبر آخر عاشق
فإن هي قالت خلّ عني تركتها ... وأقلل بترك من حبيب مفارق
فإن سامحوني قلت أمري إليكم ... وإن أبعدوني كنت في رأس حالق
فلم تنكحي يا هند مثلي وإنّني ... لمن لم يمقني فاعلمي غير وامق «2»
فبلغ أبا سفيان، فقال: والله لو أعلم شيئا يرضي أبا زيد سوى طلاق هند لفعلته! وألح سهيل في تنقيص أبي سفيان، فقال أبو سفيان:
رأيت سهيلا قد تفاوت شأوه ... وفرّط في العلياء كلّ عنان
وأصبح يسمو للمعالي وإنه ... لذو جفنة مغشية وقيان
وشرب كرام من لؤيّ بن غالب ... عراض المساعي عرضة الحدثان
ولكنّه يوما إذا الحرب شمّرت ... وأبرز فيها وجه كلّ حصان «3»
تطأطأ فيها ما استطاع بنفسه ... وقنّع فيها رأسه ودعاني
فأكفيه ما لا يستطاع دفاعه ... وألقيت فيها كلكلي وجراني «4»












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید