المنشورات

شريح والشعبي في نساء تميم

: وعن الهيثم بن عدي الطائي قال: حدثنا مجالد عن الشعبي قال: قال لي شريح: يا شعبي، عليك بنساء بني تميم، فإني رأيت لهن عقولا، قال: وما رأيت من عقولهن؟
قال: أقبلت من جنازة طهرا، فمررت بدورهم فإذا أنا بعجوز على باب دار، والى جنبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري، فعدلت فاستسقيت وما بي عطش؛ فقالت: أي الشراب احب اليك؟ فقلت: ما تيسّر. قالت: ويحك يا جارية! ائتيه بلبن؛ فإني أظن الرجل غريبا! قلت: من هذه الجارية؟ قالت: هذه زينب ابنة جرير، إحدى نساء حنظلة. قلت: فارغة هي أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة. قلت:
زوّجينيها. قالت: إن كنت لها كفئا- ولم تقل كفوا، وهي لغة تميم- فمضيت إلى المنزل فذهبت لاقيل، فامتنعت مني القائلة؛ فلما صليت الظهر أخذت بأيدي اخواني من القرّاء الاشراف: علقمة، والاسود، والمسيب، وموسى بن عرفطة؛ ومضيت أريد عمها، فاستقبل فقال: يا أبا أمية، حاجتك؟ قلت: زينب بنت أخيك. قال: ما بها رغبة عنك! فأنكحنيها، فلما صارت في حبالي ندمت، وقلت: أي شيء صنعت بنساء بني تميم؟ وذكرت غلظ قلوبهن، فقلت: أطلّقها! ثم قلت: لا، ولكن أضمها إليّ، فإن رأيت ما أحب وإلا كان ذلك. فلو رأيتني يا شعبي وقد أقبل نساؤهم يهدينها حتى أدخلت عليّ، فقلت: إن من السّنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم فيصلي ركعتين فيسأل الله من خيرها ويعوذ به من شرها. فصليت وسلمت، فإذا هي من خلفي تصلي بصلاتي، فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها، فأخذن ثيابي وألبسنني ملحفة قد صبغت في عكر العصفر.
فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناحيتها، فقالت: على رسلك أبا أمية! كما أنت! ثم قالت:
الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله؛ اني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبيّن لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأزدجر عنه ... وقالت: إنه قد كان لك في قومك منكح، وفي قومي مثل ذلك، ولكن إذا قضى الله امرا كان، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به: إمساك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ
»
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك.
قال: فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت:
الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد؛ فإنك قد قلت كلاما إن تثبتي عليه يكن ذلك حظّك، وإن تدعيه يكن حجة عليك؛ أحب كذا وأكره كذا، ونحن جميع فلا تفرقّي، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها.
وقالت شيئا لم أذكره: كيف محبتك لزيارة الاهل؟ قلت: ما احب ان يملّني أصهاري! قالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك آذن لهم، ومن تكرهه أكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.
قال: فبتّ يا شعبي بأنعم ليلة، ومكثت معي حولا لا أرى إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، فإذا بعجوز تأمر وتنهى في الدار! فقلت:
من هذه؟ قالوا: فلانة ختنك «2» . فسري عني ما كنت اجد، فلما جلست أقبلت العجوز فقالت: السلام عليك أبا أمية. قلت: وعليك السلام، من أنت؟ قالت: انا فلانة ختنك. قلت: قربك الله. قالت: كيف رأيت زوجتك؟ قلت خير زوجة.
فقال لي: أبا أمية، إن المرأة لا تكون أسوأ منها في حالتين: إذا ولدت غلاما، أو حظيت عند زوجها؛ فإن رابك ريب فعليك بالسوط؛ فو الله ما جاز الرجال في بيوتهم شرّا من المرأة المدللة. قلت: أما والله لقد أدّبت فأحسنت الادب، ورضت فأحسنت الرياضة. قالت: تحبّ ان يزورك ختانك؟ قلت! متى شاءوا. قال: فكانت تأتيني في رأس كل حول توصيني تلك الوصية.
فمكثت معي عشرين سنة لم أعتب عليها في شيء، الا مرة واحدة، وكنت لها ظالما: أخذ المؤذّن في الإقامة بعد ما صليت ركعتي الفجر، وكنت إمامى الحيّ، فإذا بعقرب تدب: فأخذت الإناء فأكفأته عليها؛ ثم قلت: يا زينب؛ لا تتحركي حتى آتي! فلو شهدتني يا شعبي وقد صليت ورجعت فإذا انا بالعقرب قد ضربتها، فدعوت بالسكت والملح؛ فجعلت امغث «1» أصبعها وأقرأ عليها بالحمد والمعوّذتين.
وكان لي جار من كندة يفزع امرأته ويضربها؛ فقلت في ذلك:
كنتم زعمتم أنها ظلمتكم ... كذبتم وبيت الله بل تظلمونها
فإن لا تعدّوا أمّها من نسائكم ... فإنّ أباها والد لن يشينها
وإنّ لها أعمام صدق وإخوة ... وشيخا إذا شئتم تأيّم دونها
قالت النوار: فإذا لا نشاء.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید