المنشورات

السلاماني وقريب له

وعن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال: اخبرني موسى السلاماني، مولى الحضرمي، وكان أيسر تاجر بالبصرة، قال: بينا أنا جالس إذ دخل عليّ غلام لي فقال: هذا رجل من أهل أمّك يستأذن عليك- وكانت أمه مولاة لعبد الرحمن بن عوف- فقلت: ائذن له. فدخل شاب حلو الوجه، يعرف في هيئته انه قرشي، في طمرين «1» . فقلت: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عبد الحميد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، خال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: في الرحب والقرب. ثم قلت: يا غلام، برّه وأكرمه وألطفه، وأدخله الحمام، واكسه قميصا رقيقا، ومبطنا قوهيا، ورداء عمريا. وحذونا له نعلين حضرميين فلما نظر الشاب في عطفيه وأعجبته نفسه قال: يا هذا، ابغني أشرف أيّم بالبصرة أو أشرف بكربها! قلت: يابن أخي، معك مال؟ قال: أنا مال كما أنا! قلت: يابن أخي، كفّ عن هذا. قال: انظر ما أقوله لك! قلت: فإن أشرف ايّم بالبصرة هند ابنة أبي صفرة. أخت عشرة، وعمة عشرة، وحالها في قومها حالها. وأشرف بكر بالبصرة الملاة بنت زرارة بن اوفى الجرشي قاضي البصرة قال اخطبها علي. قلت: يا هذا، إن أباها قاضي البصرة! قال:
انطلق بنا إليه. فانطلقنا إلى المسجد فتقدم، فجلس الى القاضي، فقال له: من أنت يا بن أخي؟ قال له: عبد الحميد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف خال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال مرحبا بك، ما حاجتك؟ قال: جئت خاطبا. قال: ومن ذكرت؟ قال:
الملاة ابنتك. قال: يا بن اخي، ما بها عنك رغبة. ولكنها امرأة يفتات عليها [في] أمرها، فاخطبها إلى نفسها. فقام إليّ، فقلت: ما صنعت؟ قال: قال كذا وكذا.
قلت: ارجع بنا ولا تخطبها. قال: اذهب بنا اليها. فدخلنا دار زرارة، فإذا دار فيها مقاصير، فاستأذنا على أمها، فلقيتنا بمثل كلام الشيخ، ثم قالت: وها هي في تلك الحجرة. قلت له: لا تأتها. قال: أليست بكرا؟ قلت: بلى. قال: ادخل بنا إليها.
فاستأذنا، فأذنت لنا، فوجدناها جالسة وعليها ثوب قوهي رقيق معصفر، تحته سراويل يرى منه بياض جسدها، ومرط قد جمعته على فخذيها، ومصحف على كرسي بين يديها. فأشرجت «1» المصحف ثم نحته، فسلمنا، فردّت، ثم رحبت بنا، ثم قالت: من أنت؟ قال: أنا عبد الحميد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري خال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! ومدّ بها صوته، قالت: يا هذا؛ إنما يمدّ هذا الصوت للساسانيين! قال موسى: فدخل بعضي في بعض! ثم قالت: ما حاجتك؟ قال: جئت خاطبا. قالت: ومن ذكرت؟ قال: ذكرتك! قالت: مرحبا بك يا أخا اهل الحجاز، ما الذي بيدك؟ قال: لنا سهمان بخيبر اعطاناهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ومدّ بها صوته- وعين بمصر، وعين باليمامة، ومال باليمن. قالت: يا هذا، كل هذا عنا غائب، ولكن ما الذي يحصل بأيدينا منك؟ فإني أظنك تريد أن تجعلني كشاة عكرمة، أتدري من عكرمة؟ قال: لا. قالت: عكرمة بن ربعي. فإنه كان نشأ بالسواد، ثم انتقل الى البصرة وقد تغذي باللبن. فقال لزوجته: اشتري لنا شاة نحتلبها وتصنعين لنا من لبنها شرابا وكامخا. ففعلت وكانت عندهم الشاة إلى ان استحرمت «2» ، فقالت: يا جارية خذي بأذن الشاة وانطلقي بها إلى التيّاس. فانزي عليها! ففعلت فقال التياس: آخذ منك على المنزوة درهما! فانصرفت إلى سيدتها فأعلمتها. فقالت: إنما رأينا من يرحم ويعطي، وأما من يرحم ويأخذ فلم نره! ... ولكن يا أخا أهل المدينة، أردت أن تجعلني كشاة عكرمة. فلما خرجنا قلت له: ما كان أغناك عن هذا! قال: ما كنت أظن أن امرأة تجترىء على مثل هذا الكلام.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید