المنشورات
باب الطلاق
الرشيد والأصمعي
محمد بن الغار قال: حدثني عبد الرحمن بن محمد ابن أخي الأصمعي قال: سمعت عمي يقول: توصّلت بالملح، وأدركت بالغريب.
وقال عمي للرشيد في بعض حديثه: بلغني يا أمير المؤمنين أن رجلا من العرب طلق في يوم خمس نسوة! قال إنما يجوز ملك الرجل على أربع نسوة؛ فكيف طلق خمسا؟ قال: كان لرجل أربع نسوة، فدخل عليهنّ يوما فوجدهنّ متلاحيات متنازعات- وكان شنطيرا «1» ، فقال: إلى متى هذا التنازع؟ ما إخال هذا الأمر إلا من قبلك- يقول ذلك لامرأة منهن- اذهبي فأنت طالق! فقالت له صاحبتها: عجلت عليها بالطلاق، ولو أدّبتها بغير ذلك لكنت حقيقا! فقال لها: وأنت أيضا طالق! فقالت له الثالثة: قبحك الله! فو الله لقد كانتا إليك محسنتين، وعليك مفضلتين! فقال: وأنت أيتها المعدّدة أياديهما طالق أيضا! فقالت له الرابعة، وكانت هلالية وفيها أناة شديدة: ضاق صدرك عن أن تؤدب نساءك إلا بالطلاق! فقال لها: وأنت طالق أيضا! وكان ذلك بمسمع جارة له، فأشرفت عليه وقد سمعت كلامه، فقالت:
والله ما شهدت العرب عليك وعلى قومك بالضعف إلا لما بلوه منكم ووجدوه فيكم، أبيت إلا طلاق نسائك في ساعة واحدة! قال: وأنت أيضا أيتها المؤنّبة المتكلفة طالق، إن أجاز زوجك! فأجابه من داخل بيته: قد أجزت! قد أجزت.
المغيرة وزوجته فارعة
: ودخل المغيرة بن شعبة على زوجته فارعة الثقفية وهي تتخلل حين انفتلت من صلاة الغداة؛ فقال لها: لئن كنت تتخللين من طعامك اليوم إنك لجشعة، وإن كنت تتخللين من طعام البارحة إنك لشبعة، كنت فبنت «2» ، فقالت: والله ما اغتبطنا إذ كنا، ولا أسفنا إذ بنّا، وما هو لشيء مما ذكرت، ولكني استكت «3» فتخللت لسواك؛ فخرج المغيرة نادما على ما كان منه، فلقيه يوسف بن أبي عقيل فقال له:
إني نزلت الآن عن سيدة نساء ثقيف؛ فتزوجها فإنها ستنجب؛ فتزوجها فولدت له الحجاج.
الحسن وعائشة بنت طلحة
: وقال الحسن بن علي بن حسين لامرأته عائشة بنت طلحة: أمرك بيدك! فقالت:
قد كان عشرين سنة بيدك فأحسنت حفظه، فلم أضيعه إذ صار بيد ساعة واحدة؛ وقد صرفته إليك! فأعجبه ذلك منها وأمسكها.
لرجل في طلاق امرأته
: وقال أبو عبيدة: طلق رجل امرأته وقال:
لقد طلّقت أخت بني غلاب ... طلاقا ما أظنّ له ارتدادا
ولم أك كالمعدل أو أويس ... إذا ما طلقا ندما فعادا
قال أبو عبيدة: وطلاق المعدّل وأويس يضرب به المثل.
لآخر في مثله
: ونكح رجل امرأة من عديّ، فلما اهتداها رأت ربع داره أحسن ربع، وشمل عياله أجمع شمل؛ فقالت: أما والله لئن بقيت لهم لأشتّتن أمرهم! وقالت في ذلك:
أرى نارا سأجعلها إرينا ... وأترك أهلها شتّى عزينا
فلما انتهى ذلك إلى زوجها طلقها، وقال في ذلك:
ألا قالت هديّ بني عديّ ... أرى نارا سأجعلها إرينا «1»
فبيني قبل أن تلحي عصانا ... ويصبح أهلنا شتى عزينا
وقيل لابن عباس: ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟ فقال: يكفيه من ذلك عدد كواكب الجوزاء! وقيل لأعرابي: هل لك في النكاح؟ قال: لو قدرت أن أطلق نفسي لطلقتها.
وعن الزهري قال: قال أبو الدرداء لامرأته: إذا رأيتني غضبت فترضيّني، وإن رأيتك غضبت ترضّيتك، وإلا لم نصطحب! قال الزهري: وهكذا تكون الإخوان.
قال الأصمعي: كنت أختلف إلى أعرابي أقتبس منه الغريب، فكنت إذا استأذنت عليه يقول: يا أمامة ائذني له. فتقول: ادخل. فاستأذنت عليه مرارا فلم أسمعه يذكر أمامة؛ فقلت: يرحكم الله، ما أسمعك تذكر أمامة؛ قال: فوجم وجمة، فندمت على ما كان مني، ثم أنشأ يقول:
ظعنت أمامة بالطلاق ... ونجوت من غلّ الوثاق «1»
بانت فلم يألم لها ... قلبي ولم تبك المآقي «2»
لو لم يرح بطلاقها ... لأرحت نفسي بالإباق
ودواء ما لا تشتهي ... هـ النفس تعجيل الفراق
والعيش ليس يطيب من ... إلفين من غير اتّفاق
وعن الشيباني قال: طلق أبو موسى امرأته وقال فيها:
تجهّزي للطلاق وارتحلي ... فذا دواء المجانب الشرس
ما أنت بالحنّة الودود ولا ... عندك نفع يرجى لملتمس «3»
لليلتي حين بنت طالقة ... ألذّ عندي من ليلة العرس
بتّ لديها بشرّ منزلة ... لا أنا في لذّة ولا أنس
تلك على الخسف لا نظير لها ... وإنني ما يسوغ لي نفسي
ابن زبان والزبير
: أقبل منظور بن زبّان بن سيار الفزاري إلى الزبير فقال: إنما زوّجناك ولم نزوّج عبد الله! قال: ما له؟ قال: إنها تشكوه. قال: يا عبد الله طلّقها! قال عبد الله: هي طالق! قال ابن منظور: أنا ابن قهدم. قال الزبير: أنا ابن صفية أتريد أن يطلق المنذر أختها؟ قال: لا، تلك راضية بموضعها.
خديجة بين محمد وإبراهيم
: وتزوج محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان خديجة بنت عروة ابن الزبير، فذكر لها جماله- وكان يقال له المذهب من حسنه، وكان رجلا مطلاقا- فقالت:
محمد هو الدنيا لا يدوم نعيمها. فلما طلقها خطبها إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي؛ فكتب إليها:
أعيذك بالرحمن من عيش شقوة ... وأن تطمعي يوما إلى غير مطمع
إذا ما ابن مظعون تحدّر وسقه ... عليك فبوئي بعد ذلك أو دعي «1»
فردّته ولم تتزوجه.
الحجاج وزواجه بابنة جعفر
: وعن العتبي عن أبيه قال: أمهر الحجاج ابنة عبد الله بن جعفر تسعين ألف دينار فبلغ ذلك خالد بن يزيد بن معاوية، فأمهل عبد الملك، حتى إذا أطبق الليل دق عليه الباب؛ فأذن له عبد الملك، ودخل عليه فقال له: ما هذا الطروق أبا يزيد؟ قال: أمر والله لم ينتظر له الصبح، هل علمت أن أحدا كان بينه وبين من عادى ما كان بين آل أبي سفيان وآل الزبير بن العوام؟ فإني تزوجت إليهم، فما في الأرض قبيلة من قريش أحبّ إليّ منهم؛ فكيف تركت الحجاج وهو سهم من سهامك يتزوج إلى بني هاشم، وقد علمت ما يقال فيهم في آخر الزمان؟ قال: وصلتك رحم.
وكتب إلى الحجاج يأمره بطلاقها وألا يراجعه في ذلك. فطلقها. فأتاه الناس يعزونه، وفيهم عمرو بن عتبة؛ فجعل الحجاج يقع بخالد ويتنقّصه، ويقول: إنه صيّر الأمر إلى من هو أولى به منه، وإنه لم يكن لذلك أهلا!
فقال له عمرو بن عتبة: إن خالدا أدرك من قبله، وأتعب من بعده، وعلم علما فسلّم الأمر إلى أهله، ولو طلب بقديم لم يغلب عليه، أو بحديث لم يسبق إليه.
فلما سمعه الحجاج استحى، فقال: يا بن عتبة، إنا نسترضيكم بأن نعتب عليكم، ونستعطفكم بأن ننال منكم؛ وقد غلبتم على الحلم فوثقنا لكم به، وعلمنا أنكم تحبون أن تحلموا فتعرّضنا للذي تحبون.
مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد
ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار
الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،
1404 هـ
15 مايو 2024
تعليقات (0)