المنشورات

من طلق امرأته ثم تبعتها نفسه

بين العريان وبنت عمران
: الهيثم بن عدي قال: كانت تحت العريان بن الأسود بنت عمّ له، فطلّقها، فتبعتها نفسه؛ فكتب إليها يعرّض لها بالرجوع؛ فكتبت إليه.
إن كنت ذا حاجة فاطلب لها بدلا ... إنّ الغزال الذي ضيّعت مشغول
فكتب إليها:
من كان ذا شغل فالله يكلؤه ... وقد لهونا به والحبل موصول
وقد قضينا من استطرافه طرفا ... وفي الليالي وفي أيّامها طول!
الوليد وزوجته سعدى
: وطلق الوليد بن يزيد امرأته سعدى، فلما تزوجت اشتد ذلك عليه، وندم على ما كان منه؛ فدخل عليه أشعب، فقال له: أبلغ سعدى عني رسالة، ولك مني خمسة آلاف درهم! فقال: عجّلها! فأمر له بها؛ فلما قبضها قال: هات رسالتك. فأنشده:
أسعدى ما إليك لنا سبيل ... ولا حتى القيامة من تلاق؟
بلى، ولعل دهرا أن يؤاتي ... بموت من حليلك أو فراق
فأتاها فاستأذن، فدخل عليها. فقالت له: ما بدا لك في زيارتنا يا أشعب؟ فقال: يا سيدتي، أرسلني إليك الوليد برسالة. وأنشدها الشعر؛ فقالت لجواريها: خذن هذا الخبيث! فقال: يا سيدتي، إنه جعل لي خمسة آلاف درهم! قالت: والله لأعاقبنك أو لتبلغن إليه ما أقول لك. قال: سيدتي، اجعلي لي شيئا، قالت: لك بساطي هذا.
قال: قومي عنه! فقامت عنه وألقاه على ظهره، وقال: هاتي رسالتك. فقالت:
أنشده.
أتبكي على سعدى وأنت تركتها ... فقد ذهبت سعدى فما أنت صانع
فلما بلغه وأنشده الشعر، سقط في يده وأخذته كظمة، ثم سرّي عنه، فقال: اختر واحدة من ثلاث: إما أن نقتلك، وإما أن نطرحك من هذا القصر، وإما أن نلقيك إلى هذه السّباع! فتحير أشعب وأطرق حينا؛ ثم رفع رأسه فقال: يا سيدي، ما كنت لتعذّب عينين نظرتا إلى سعدى! فتبسم وخلى سبيله.
ابن أبي بكر وامرأته
: وممن طلق امرأته فتبعتها نفسه، عبد الرحمن بن أبي بكر: أمره أبوه بطلاقها، ثم دخل عليه فسمعه يتمثل:
فلم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير شيء تطلّق
فأمره بمراجعتها.
الفرزدق ونوار
: وممن طلق امرأته فتبعتها نفسه، الفرزدق الشاعر: طلق النّوار، ثم ندم في طلاقها وقال:
ندمت ندامة الكسعيّ لمّا ... غدت منّي مطلّقة نوار
وكانت جنّتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضّرار «1»
فأصبحت الغداة ألوم نفسي ... بأمر ليس لي فيه خيار
من أخبار النوار
: وكانت النوار بنت عبد الله قد خطبها رجل رضيته، وكان وليّها غائبا، وكان الفرزدق وليّها إلا أنه كان أبعد من الغائب؛ فجعلت أمرها إلى الفرزدق، وأشهدت له بالتفويض إليه؛ فلما توثّق منها بالشهود، أشهدهم أنه قد زوّجها من نفسه! فأبت منه ونافرته إلى عبد الله بن الزبير؛ فنزل الفرزدق على حمزة بن عبد الله [ابن الزبير] ، ونزلت النوار على زوجة عبد الله بن الزبير، وهي بنت منظور ابن زبان،؛ فكان كل ما أصلح حمزة من شأن الفرزدق نهارا أفسدته المرأة ليلا؛ حتى غلبت المرأة وقضي ابن الزبير على الفرزدق؛ فقال:
أمّا البنون فلم تقبل شفاعتهم ... وشفّعت بنت منظور بن زبّانا
ليس الشّفيع الذي يأتيك مؤتزرا ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا
وقال الفرزدق في مجلس ابن الزبير:
وما خاصم الأقوام من ذي خصومة ... كورهاء مدنو إليها خليلها «1»
فدونكها يا بن الزبير فإنها ... ملعّنة يوهي الحجارة قيلها
فقال ابن الزبير: إن هذا شاعر، وسيهجوني؛ فإن شئت ضربت عنقه وإن كرهت ذلك؛ فاختاري نكاحه وقرّي. فقرّت واختارت نكاحه، ومكثت عنده زمانا، ثم طلقها وندم في طلاقها.
وعن الأصمعي عن المعتمر بن سليمان عن أبي مخروم عن رواية الفرزدق، قال: قال لي الفرزدق يوما: امض بنا إلى حلقة الحسن، فإني أريد أن أطلق النوار! فقلت له:
إني أخاف أن تتبعها نفسك، ويشهد عليك الحسن وأصحابه. قال: انهض بنا. فجئنا حتى وقفنا على الحسن، فقال [الفرزدق] : كيف أصبحت أبا سعيد؟ قال: بخير، كيف أصبحت يا أبا فراس؟ فقال: تعلمنّ أني طلقت النوار ثلاثا! قال الحسن وأصحابه: قد سمعنا فانطلقنا، فقال لي الفرزدق: يا هذا، إن في نفسي من النوار شيئا! فقلت: حذرتك! فقال:
ندمت ندامة الكسعيّ لمّا ... غدت مني مطلّقة نوار
وكانت جنّتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضّرار
ولو أني ملكت بها يميني ... لكان عليّ للقدر الخيار
قيس بن ذريح وطلاق امرأته
: وممن طلق امرأته وتبعتها نفسه، قيس بن الذريح؛ وكان أبوه أمره بطلاقها فطلقها وندم؛ فقال في ذلك:
فواكبدي على تسريح لبنى ... فكان فراق لبنى كالخداع
تكنفّني الوشاة فأزعجوني ... فيا للناس للواشي المطاع
فأصبحت الغداة ألوم نفسي ... على أمر وليس بمستطاع
كمغبون يعضّ على يديه ... تبيّن غبنه بعد البياع
وطلق رجل امرأته، فقالت: أبعد صحبة خمسين سنة؟ فقال: مالك عندنا ذنب غيره!
ابن أم الحكم بين رجل وامرأته
: العتبي قال: جاء رجل بامرأة كأنها برج فضة، إلى عبد الرحمن بن أم الحكم وهو على الكوفة، فقال: إن امرأتي هذه شجّتني! فقال لها: أنت فعلت به؟ قالت: نعم، غير متعمّدة لذلك؛ كنت أعالج طيبا، فوقع الفهر من يدي على رأسه؛ وليس عندي عقل، ولا تقوى يدي على القصاص! فقال عبد الرحمن للرجل: يا هذا، علام تحبسها وقد فعلت بك ما أرى؟ قال: أصدقتها أربعة آلاف درهم، ولا تطيب نفسي بفراقها! قال: فإن أعطيتها لك أتفارقها؟ قال: نعم. قال: فهي لك. قال: هي طالق إذا! فقال عبد الرحمن: احبسي علينا نفسك. ثم أنشأ يقول:
يا شيخ ويحك من دلّاك بالعزل ... قد كنت يا شيخ عن هذا بمعتزل
رضت الصّعاب فلم تحسن رياضتها ... فاعمد لنفسك نحو الجلّة الذّلل











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید