المنشورات
بين بخيلين
الرياشي قال: صاحب رجل رجلا من البخلاء، فقال له: احملني! فقال: ما كنت لا نزل واحملك! قال. ما انت بحاتم حيث يقول:
انخها فأردفها، فإن حملتكما ... فذاك؛ وإن كان العقاب فعاقب «1»
قال: ما فيها محمل، ولابي طاقة على المشي.
وقد قال شاعرهم حاتم:
أماويّ إمّا مانع فمبيّن ... وإما عطاء لا ينهنه الزجر «2»
وقال كثير عزة:
مهين تلاد المال فيما ينوبه ... منوع إذا ما منعه كان أحزما «3»
سأل عبد الرحمن بن حسان بن ثابت من بعض الولاة حاجة، فلم يقضها، فتشفع إليه برجل فقضاها؛ فقال:
ذممت ولم تحمد، وأدركت حاجتي ... تولّى سواكم أجرها واصطناعها
أبى لك كسب المجد رأي مقصّر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها
إذا هي حثته على الخير مرّة ... عصاها، وإن همّت بشرّ أطاعها
احتاج ابو الاسود الدؤلي مرة، فبعث إلى جار له موسر يستسلفه، وكان حسن الظن به، فاعتل عليه ورده؛ فقال:
لا تشعرنّ النّفس يأسا فإنما ... يعيش بجدّ حازم وبليد
ولا تطمعن في مال جار لقربه ... فكلّ قريب لا ينال بعيد
وكتب إلى آخر يستسلفه، فكتب إليه: المؤنة كثيرة، والفائدة قليلة، والمال مكذوب عليه. فكتب إليه ابو الاسود: إن كنت كاذبا فجعلك الله صادقا، وإن كنت صادقا فجعلك الله كاذبا! وقال بعض الشعراء في بخيل:
ميّت مات وهو في كنف العي ... ش مقيم في مظلّ عيش ظليل
في عداد الموتى، وفي عامر الدّن ... يا أبو جعفر أخي وخليلي
لم يمت ميتة الحياة ولكن ... مات عن كلّ صالح وجميل
ولآخر:
فأمّا قراه كله فلنفسه ... ومال يزيد كلّه ليزيد «1»
ولآخر:
له يومان: يوم ندى، ويوم ... يسلّ السيف فيه من القراب «2»
فأمّا جوده فعلى النّصارى ... وأمّا بأسه فعلى الكلاب
ولآخر:
قدحت بأظفاري، وأعملت معولي ... فصادفت جلمودا من الصّخر أملسا «3»
تجهّم لمّا قمت في وجه حاجتي ... وأطرق حتى قلت: قد مات أو عسى
فأجمعت أن أنعاه لمّا رأيته ... يفوق فواق الموت حتى تنفّسا
وأنشد أبو جعفر البغدادي للجولديّ:
جاء بدينارين لي صالح ... أصلحه الله وأخزاهما
أدناهما تحمله ذرّة ... وتلعب الريح بأقواهما
بل لو وزنّا لك ظلّيهما ... ثم عمدنا فوزّنّاهما
لكان لا كانا ولا أفلحا ... عليهما يرجح ظلّاهما
ولحماد عجرد:
أورق بخيرك تؤمل للجزيل، فما ... ترجى الثّمار إذا لم يروق العود
وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود
إنّ الكريم ترى في الناس عفّته ... حتى يقال غنيّ وهو مجهود «4»
وأنشد:
جاد ابن موسى من دنانيره ... لنا بدينارين إسرارا
كلاهما في الكفّ من خفّة ... لو نفخا من فرسخ طارا
قلت، وقلبي لهما منكر: ... أدّهما للخبر قسطارا «1»
فكان هذا عنده بهرجا ... وكان هذا عنده بارا
ثم وزنّا واحدا منهما ... كان له القسطار مختارا
فكان في كفّة ميزانه ... ينقص قيراطا ودينارا
مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد
ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار
الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،
1404 هـ
15 مايو 2024
تعليقات (0)