المنشورات
صفة مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم
بلاطاته في قبلته معترضة من الشرق إلى الغرب، في كل صف من صفوف عمدها سبعة عشر عمودا، ما بين كل عمودين منها فجوة كبيرة واسعة، والعمد التي في البلاطات القبلية بيض مجصصة شاطّة «1» جدّا، وسائر عمد المسجد رخام؛ والعمد المجصصة على قواعد عظيمة مربعة، ورءوسها مذهبة عليها نجف «2» منقشة مذهبة، ثم السماوات على النجف، وهي أيضا منقشة مذهبة؛ وقبالة المحراب موسطة «3» البلاطات، بلاط مذهب، كله شقت به البلاطات من الصحن إلى أن ينتهي إلى البلاط الذي بالمحراب ولا يشقه، وفي البلاط الذي يلي المحراب تذهيب كثير، وفي وسطه سماء كالترس المقدّر مجوّف كالمحار «4» ، مذهب؛ وقد أخذ وجه السور القبلي من داخل المسجد بإزار رخام من أساسه إلى قدر القامة منه، ولف على الإزار بطوق رخام في غلظ الأصبع، ثم من فوقه إزار دونه في العرض مخلّق بالخلوق، ثم فوقه إزار مثل الأوّل فيه أربعة عشر بابا في صف من الشرق إلى الغرب في تقدير كوى المسجد الجامع بقرطبة، منقشة مذهبة، ثم فوقه إزار رخام أيضا؛ فيه صنيفة سماوية فيها خمسة سطور مكتوبة بالذهب بكتاب ثخين غلظه قدر أصبع، من سور قصار المفصّل، ثم فوقه إزار رخام مثل الأوّل الأسفل، فيه ترسة «5» من ذهب منقشة، وبين كل ترسين منها عمود أخضر في حافاته قضبان من ذهب، ثم فوقه إزار رخام فيه صنيفة منقشة، عرضها مثل عظم الذراع، لها قضبان وأوراق من ذهب، ثم فوقه إزار فسيفساء عريض، ثم السماوات عليه؛ والمحراب في موسطة السور القبلي، على قوسه قصّة من ذهب ناتئة غليظة، في وسطها مرآة مربعة ذكر أنها كانت لعائشة رضي الله عنها.
وقبو المحراب مقدّر جدّا، وفيه دارات بعضها مذهبة وبعضها حمر وسود، وتحت القبو صنيفة ذهب منقشة، تحتها صفائح ذهب مثمنة، فيها جزعة مثل جمجمة الصبي الصغير مسمرة؛ ثم تحتها إلى الأرض إزار رخام مخلّق بالخلوق، فيه الوتد الذي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتوكأ عليه في المحراب الأوّل عند قيامه من السجود فيما ذكر، والله أعلم.
وعن يمين المحراب باب يدخل منه الإمام ويخرج، وعن يساره باب صغير مشطرج، قد سدّ بعوارض من حديد، وبين هذين البابين والمحراب ممشى مسطح لطيف.
والمقصورة من السور الغربي لاصقة بالباب إلى الفصيل اللاصق بالسور الشرقي، ومن هذا الفصيل يصعد إلى ظهر المسجد، وهي قديمة مختصرة العمل، لها شرفات وأربعة أبواب، وخارج المقصورة قريب منها عن يسار المحراب سرب في الأرض يهبط فيه درج يفضي منها إلى دار عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
والمنبر عن يمين المحراب في أول البلاط الثالث من المحراب في روضة مفروشة من الرخام مجوز حولها به، وله درج، وسمر في أعلاه لوح لئلا يجلس أحد على الدرجة التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلس عليها، وهو مختصر، ليس فيه من النقوش ودقة العمل ما في منابر زماننا الآن، والجذع أمام المنبر، وشرقي المنبر تابوت يستر به مقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقبره صلوات الله عليه وسلامه بشرقي المسجد في آخر مسقّفه القبلي مما يلي الصحن، بينه وبين السور الشرقي مثل عشر أذرع، قد حظر حوله بحائط بينه وبين السقف مثل ثلاث أذرع، وله ستة أركان، ولبّس بإزار رخام أكثر من قامة، وما فوق القامة مخلق بالخلوق.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة؛ ومنبري على ترعة من ترع الجنة.
وعلى ظهر المسجد حذاء القبر حجر محجور لئلا يمشى عليه، والبلاطات الجنوبية والغربية أربع، منتظم بعضها فوق بعض في طولها مع وجه الصحن من القبلة إلى الجوف ثمانية عشر عمودا، وحنايا المسجد كلها مما يلي الصحن مشدودة من جهاتها الأربع إلى مناكب العمد بخشب منقش.
وللمسجد ثلاث منارات: اثنتان للجنوب وواحدة للمشرق؛ وحيطان المسجد كلها من داخله مزخرفة بالرخام والذهب والفسيفساء، أولها وآخرها، وله ثمانية عشر بابا، عتبها مذهبة، وهي أبواب عظيمة لا غلق عليها، أربعة منها في الجنوب، وسبعة في الشرق، وسبعة في الغرب.
وقاع المسجد كله مفروش بالحصى وليس له حصر، ووجه سور المسجد كله من خارج منقش بالكذّان «1» ، وكذلك الشرفات.
فينبغي للداخل في المسجد أن يأتي الروضة التي قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنها روضة من رياض الجنة» ، فيصلي فيها ركعتين، ثم يأتي قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم من قبل وجهه، فيستدبر القبلة ويستقبل القبر، ويسلم عليه صلّى الله عليه وسلّم، وعلى أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، ولا يلصق بالقبر، فإنه من فعل الجهال، وقد كره ذلك، فإذا فعل ما ذكر استقبل القبلة ودعا بما أمكنه بعد الصلاة على النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وعرّفنا به، ورزقنا شفاعته برحمته، آمين!
مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد
ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار
الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،
1404 هـ
15 مايو 2024
تعليقات (0)