المنشورات

ما يصلح لكل طبيعة من الأغذية

وينبغي لك أن تعرف اختلاف طبائع الأبدان وحالاتها، لتعرف بذلك موافقة كلّ نوع من الأطعمة لكل صنف من الناس؛ وذلك أن الأغذية مختلفة؛ منها معتدلة، كالتي يتولد منها الدم الخالص النقيّ؛ ومنها غير معتدلة، كالتي يتولد منها البلغم والمرّة الصفراء والسوداء والرياح الغليظة؛ ومنها لطيفة ومنها غليظة؛ ومنها ما يتولد عنه كيموس «1» لزج وكيموس غير لزج؛ ومنها ما له خاصة منفعة أو مضرة في بعض الأعضاء دون بعض.
وكذلك الأبدان أيضا، منها معتدل مستول عليه في طبيعته الدم الخالص النقي، ومنها غير معتدل يغلب عليه البلغم أو إحدى المرّتين، ومنها متخلخل سريع التحلل، ومنها مستحصف «2» عسر التحلل، ومنها ما يكون في بعض أعضائها دون بعض؛ فقد يجب متى كان المستولي على البدن الدم النقي أن تكون أغذيته قصدا في قدرها، معتدلة في طبائعها؛ ومتى كان الغالب عليه البلغم، فيجب أن تكون مسخنة، أو يغتذي بما يزيد في الحرارة ويقمع في الرطوبة؛ ومتى كان الغالب عليه المرّة السوداء فينبغي له أن يغتذي بالأغذية الحارة الرطبة؛ ومتى كان الغالب عليه المرة الصفراء فيغتذي بالأغذية الباردة الرطبة، ومتى كان بدنه مستحصفا «3» ، عسر التحلل فينبغي أن يغتذي بأغذية يسيرة لطيفة جافة، ومتى كان متخلخلا فينبغي له أن يغتذي بأغذية لزجة، لكثرة ما يتحلل من البدن. 
فهذا التدبير ينبغي أن يلتزم، ما لم يكن في بعض أعضاء البدن ألم، فينبغي أن يستعمل النظر في الأغذية الموافقة للعضو الألم؛ لأنا ربما اضطررنا إلى استعمال ما يوافق العضو الألم، وإن كان مخالفا لسائر البدن؛ كما أنه لو كانت الكبد باردة ضيقة المجاري، احتجنا إلى استعمال الأغذية اللطيفة وتجنّب الأغذية الغليظة، وإن كان سائر البدن غير محتاج إليها لضعف أو نحافة؛ لئلا تحدث الغليظة في الكبد سددا؛ وربما كانت الكبد حارة، فتحذر الأغذية الحلوة وإن احتاج إليها [البدن] لسرعة استحالتها إلى المرة الصفراء، وربما كانت المعدة ضعيفة، فتحتاج إلى ما يقوّيها من الأغذية؛ وربما كان يولد الطعام فيها بلغما، فتحتاج إلى ما يجلوه ويقطعه؛ وربما كان يتولد فيها المرة الصفراء سريعا، فتحتاج إلى ما يقمع الصفراء وإلى تجنّب الأشياء المولدة لها؛ وربما كان الطعام يبقى على رأس المعدة طافيا، فيستعمل الأغذية الغليظة الراسبة، ليثقل بثقلها إلى أسفل المعدة؛ وتأمره بحركة يسيرة بعد الطعام، لينحط الطعام عن رأس المعدة. وربما كان فضل الطعام بطيء الانحدار عن المعدة والأمعاء، فتحتاج إلى ما يحدره ويلين البطن؛ وربما كان رأس المعدة حارا قابلا للحار، فيتجنب الأغذية الحارة وإن احتاج إليها سائر البدن.













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید