المنشورات

الاطعمة الغليظة

الغالب على الأطعمة الغليظة كلها اليبس واللزوجة؛ فمنها شيء يكون اليبس واللزوجة من طبعه، ومنها ما يكتسب اليبس من غيره.
فالذي يكون اليبس من طبعه. العدس، ولحم الأرانب، والبلوط، والشاه بلوط، والكمأة، والباقلي المقلوّ؛ هذه كلها غليظة، لأن اليبس في طبائعها.
وأما الذي يكتسب اليبس من غيره، فالكبود «1» ، والبيض المسلوق، والمشوي وما قلي، واللبن المطبوخ طبخا كثيرا، والضروع، وعصير العنب المطبوخ، لا سيما إن كان العصير غليظا؛ فهذه كلها غليظة، لأن الحرارة بالطبخ أحدثت لها يبسا وانعقادا.
وأما لحوم الإبل، ولحوم التيوس، ولحوم البقر، والكروش، والأمعاء، فإنها غليظة بصلابتها؛ وكذلك الترمس، وثمر الصنوبر، والسلجم «2» ، واللوبيا، وما خبز على الفرن؛ فإن ظاهره غليظ، لما أحدثت به النار من اليبس، وباطنه غليظ، لما فيه من اللزوجة؛ وكذلك كل ما لم يجد عجنه أو خبزه أو إنضاجه من خبز التنور، وكل ما خبز على الطابق بدهن أو غيره، والفطير، والشهد، واللبن، والأدمغة؛ فإنها كلها غليظة، للزوجة فيها طبيعية.
وأما الفالوذج فإنه غليظ للزوجته والانعقاد الحادث له من الطبخ.
وأما الباذنجان فإنه غليظ لليبس وللّزوجة في طبعه.
وأما الخبز فإنه غليظ لاجتماع الحالات الثلاث فيه.
فأما السمك الصلب اللزج فإنه غليظ لاجتماع الصلابة واللزوجة فيه.
وأما الآذان والشّفاه وأطراف العضو، فإنها تولد كيموسا لزجا ليس بالغليظ وقد تولد ما يعرض من الأغذية الباردة عن هضمها وتلطيفها، كالذي يعرض من أكل الفاكهة قبل نضجها، ومن أكل الخيار والقثاء، وشحم الأترج واللبن الحامض.
فهذه الأطعمة الغليظة كلها إن صادفت بدنا حارا كثير التعب قليل الطعام كثير النوم بعيد الطعام انهضمت وغذت البدن غذاء كثيرا نافعا، وقوّته تقوية كثيرة.
وأحمد ما تستعمل هذه الأغذية في الشتاء، لاجتماع الحرارة في باطن البدن وطول النوم؛ ومتى أحس أحد في نومه نقصانا بيّنا وأكلها من يجد الحرارة في بدنه قليلة ولا سيما في معدته، ومن تعبه قليل ونومه بعد الطعام قليل- لم يستحكم انهضامها، وتولد منها في البدن كيموس غليظ حار يابس، يتولد منه سدة في الكبد والطحال؛ فلذلك ينبغي لمن أكل طعاما غليظا من غير حاجة إليه لعلة أو شهوة أن يقلّ منه ولا يعوّده، ولا يدمنه.
وما كان من الأطعمة الغليظة له مع غلظه لزوجة، فهو أغذاها للبدن؛ فإن لم ينهضم فهو أكثرها توليدا للسدد.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید