المنشورات
الاطعمة السريعة الانهضام
إنما يسرع الانهضام لاحد وجهين: فالوجه الاول منها إذا كانت الاطعمة غير يابسة كالعدس، ولا صلبة كالترمس، ولا لزجة كالحنطة، ولا خشنة كالسمسم، ولا كريهة كالسذاب، ولا كثيرة الفضول كالأرز، ولا يغلب عليها برد شديد كاللبن الحامض، ولا حرّ شديد كالعسل.
والوجه الثاني لطبيعة البطن المستمرىء لها، وذلك لاحد وجهين: الاول موافقة الأغذية، ومشاكلة الأبدان الطبيعية، كالأطعمة التي يشتهيها ويلذها الإنسان؛ فقد تجد الناس يختلفون في شهواتهم، ويستمرىء كل واحد منهم ما شهوته إليه أميل، وإن كان الذي لا يشتهيه احمد من الذي يشتهيه. والوجه الثاني: لمزاج عارض يصادف من الاطعمة مضادة، كالذي ترى ان من غلب عليه الحر لعلة من العلل، كان للاطعمة الباردة أشد استمراء، لما يطفىء من حرارة البدن، ويعدل البدن؛ ومن غلب عليه البرد استمرأ الحارّ ولم يستمرىء البارد؛ ومن رطب بدنه كله أو معدته استمرأ الأطعمة الجافة ولم يستمرىء الرطبة؛ وم عرض له اليبس خلاف ذلك.
فقد بان بما ذكرناه ان الاطعمة اللطيفة والمتوسطة في نفسها سريعة الانهضام وقد يجوز ان تكون الاطعمة الغليظة أسرع انهضاما في بعض الابدان أيضا؛ فقشر الخبز المحكم، ولحم الدجاج، والفراريج، والدراج، والحجل، وكبود الاوز، واجنحتها- سريعة الهضم.
وفي الجملة الجناح من كل طائر أسرع انهضاما من سائره، وليس في الطير كلها أسرع انهضاما من المواشي؛ وكل ما كان من الحيوان يابسا فصغيره أسرع انهضاما؛، وكذلك لحم العجاجيل «1» أسرع من لحم البقر، ولحم الجدي الحولي اسرع انهضاما من لحم المسن من الماعز؛ وكل ما كان من الحيوان أرطب فكبيره من قبل أن يسن أسرع انهضاما من صغيره؛ الا ترى ان الحولي من الضأن اسرع انهضاما من الخروف؟ وكل ما كان مرعاه من المواضع اليابسة كان اسرع انهضاما مما مرعاه في المواضع الرطبة؛ وكل ما كان جرمه «2» متخلخلا فهو أسرع انهضاما مما كان جرمه متلزّزا، ولذلك كان الجوز أسرع انهضاما من البندق، والبيض الحارّ أمرأ من البيض البارد، والشراب الحلو أمرأ من العفص «3» .
مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد
ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار
الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،
1404 هـ
16 مايو 2024
تعليقات (0)