المنشورات

الخمر المحرمة في الكتاب

اجمع الناس على ان الخمر المحرمة في الكتاب خمر العنب، وهي ما غلي وقذف الزبد من عصير العنب، من غير أن تمسه نار، ولا يزال خمرا حتى يصير خلا، وذلك إذا غلبت عليه الحموضة وفارقتها النشوة؛ لأن الخمر ليست محرّمة العين كما حرمت عين الخنزير، وإنما حرمت لعرض دخل لها، فإذا زايلها ذلك العرض عادت حلالا كما كانت قبل الغليان حلالا، وعينها في كل ذلك واحدة، وإنما انتقلت أعراضها من حلاوة إلى مرارة، ومن مرارة إلى حموضة، كما ينتقل طعم الثمرة إذا أينعت من حموضة إلى حلاوة والعين قائمة، وكما ينتقل طعم الماء بطول المكث فيتغير طعمه وريحه والعين قائمة.
ونظير الخمر فيما يحل ويحرم بعرض: المسك الذي هو دم عبيط «1» حرام، ثم يجف ويجدد رائحة فيصير حلالا طيبا، فهذه الخمر بعينها المجمع على تحريمها؛ وأصحاب النبيذ إنما يدورون حولها ويتعللون أنهم يشربون ما دون المسكر، ولا لذة لهم دون موافقة المسكر كما قال الشاعر:
يدورون حول الشّيخ يلتمسونه ... بأشربة شتى هي الخمر تطلب
وقول القائل:
إياك أعني فاسمعي يا جاره
قيل للاحنف بن قيس: أي الشراب اطيب؟ فقال: الخمر. قيل له: وكيف علمت ذلك وأنت لم تشربها؟ قال: إني رأيت من أحلت له لا يتعدّاها، ومن حرمت عليه إنما يدور حولها! وقال ابن شبرمة:
ونبيذ الزّبيب، ما اشتدّ منه ... فهو للخمر والطّلاء نسيب «2»
وقال عبد اللَّه بن القعقاع:
أتانا بها صفراء يزعم أنّها ... زبيب، فصدقناه وهو كذوب
فهل هي إلا ساعة غاب نحسها ... أصلّي لربي بعدها وأتوب
وقال ابن شبرمة: أتانا الفرزدق، فقال: اسقوني. فقلنا: وما تريد أن نسقيك؟
قال: أقربه إلى الثمانين. يعني حدّ الخمر.














مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید