المنشورات

حارثة بن بدر في حرب الازارقة

ولما خرجت الازارقة على اهل البصرة، لاقاهم حارثة بن بدر وتولى حربهم في أصحابه من فرسان بني يربوع، حتى أصيب في تلك الحروب. وقال فيه الشاعر:
فلولا ابن بدر للعراقين لم يقم ... لما قام فيه للعراقين إنسان
إذا قيل من حامي الحقيقة أو مأت ... إليه معد بالأكفّ وقحطان
وقال الشاعر:
شربنا من الذّاذيّ حتى كأننا ... ملوك لهم في كلّ ناحية وفر «3»
فلما اعتلت شمس النهار رأيتنا ... تخلّى الغنى عنا وعاودنا الفقر
وكان أبو الهندي من ولد شبث بن ربعيّ الرياحي من بني يربوع وكان قد غلب عليه الشراب على كريم منصبه، حتى كاد يبطله، وكان قد ضاف «1» على راع يسمى سالما، فسقاه قدحا من لبن، فكرهه وقال:
سيغني أبا الهنديّ عن وطب سالم ... أبارق كالغزلان بيض نحورها
مفدّمة قزّا كأن رقابها ... رقاب كراك أفزعتها صقورها «2»
فما ذرّ قرن الشمس حتى كأنما ... أرى قرية حولي تزلزل دورها
وكان عجيبا بالجواب، فجلس إليه رجل كان صلب أبوه في جناية، فجعل يعرّض له بالشراب، فقال ابو الهندي: احدهم يبصر القذى في عين أخيه ولا يبصر الجذع المعترض في است ابيه.
ولقيه نصر بن سيار والي خراسان وهو يميد سكرا، فقال له: أفسدت مروءتك وشرفك! قال لو لم أفسد مرؤتي لم تكن أنت والي خراسان!.
ومرض ابو الهندي، فلما وجد فقد الشراب جعل يبكي ويقول:
رضيع المدام فارق الراح روحه ... فظلّ عليها مستهلّ المدامع
أديرا عليّ الكأس إني فقدتها ... كما فقد المفطوم درّ المراضع
وكان يشرب مع قيس بن أبي الوليد الكناني، وكان أبو الوليد ناسكا؛ فاستعدى عليه وعلى ابنه، فهرب منه، وقال فيه ابو الهندي:
قل للسّريّ ابن هند ظلت تواعدنا ... ودارنا أصبحت من داركم صددا
أبا الوليد أما واللَّه لو عملت ... فيك الشّمول لما فارقتها أبدا «3»
ولا نسيت حميّاها ولذّتها ... ولا عدلت بها مالا ولا ولدا «4»
وشرب أبو الهندي في غرفة مع نديم له، فاطّلع منها فإذا بميّت يزفّ به على شرجع «1» ، فالتفت إلى صاحبه فقال:
اصبب على قلبك من بردها ... إني أرى الناس يموتونا
فكان هذا القول منه [أمارة] على [عدم] اتعاظه بالموت.
وقال عبد الرحمن بن ام الحكم:
وكأس ترى بين الأثافي وبينها ... قذى العين، قد نازعت أمّ أبان «2»
ترى شاربيها حين يعبق ريحها ... يميلان أحيانا ويعتدلان
فما ظنّ ذا الواشي بأروع ماجد ... وعذراء خود حين يلتقيان ...
دعتني اخاها أمّ مرو ولم أكن ... اخاها ولم أرضع لها بلبان
دعتني اخاها بعد ما كان بيننا ... من الامر ما لا يفعل الاخوان
وقال:
لا هنيئا بما شربت مريئا ... ثم قم صاغرا وغير كريم
لا أحبّ النّديم يومض بالعي ... ن إذا ما انثنى لعرس النديم












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید