المنشورات

حارثة بن بدر وزياد

ودخل حارثة بن بدر على زياد وبوجهه أثر فقال له: ما هذا؟ قال. ركبت فرسي الاشقر فصرعني. قال: أما إنك لو ركبت الاشهب ما صرعك.
أراد حارثة بالاشقر: النبيذ! وأراد زياد بالاشهب: اللبن.
وكان قيس بن عاصم يأتيه في جاهليته تاجر خمر، فيبتاع منه، ولا يزال الخمار في جواره حتى ينفذ ما عنده؛ فشرب قيس ذات يوم فسكر سكرا قبيحا، فجذب ابنته وتناول ثوبها، ورأى القمر فتكلم بشيء، ثم انتهب مال الخمار، وأنشأ يقول:
من تاجر فاجر جاء الاله به ... كأن لحيته أذناب أجمال
جاء الخبيث ببيسانية تركت ... صحبي وأهلي بلا عقل ولا مال «4»
فلما صحا أخبر بما صنع، وما قال، فآلى ان لا يذوق خمرا أبدا.
وربما بلغت جناية الكأس إلى عقب الرجل ونجله؛ قال المأمون: يا نطف الخمار.
وترائع الظئور، وأشباه الخئولة.
وقال الشاعر:
لمّا رأيت الحظّ حظّ الجاهل ... ولم أر المغبون غير العاقل
رحلت عيسا من كروم بابل ... فبتّ من عقلي على مراحل! «1»
وقال آخر يصف السكر:
أقبلت من عند زياد كالخرف ... أجرّ رجلي بخطّ مختلف
كأنما يكتبان لام الف
وقال آخر يصف السكر:
شربنا شربة من ذات عرق ... بأطراف الزّجاج من العصير
وأخرى بالمروّح، ثم رحنا ... نرى العصفور أعظم من بعير
كأن الدّيك ديك بني تميم ... أمير المؤمنين على السرير
كأنّ دجاجهم في الدّار رقطا ... بنات الرّوم في قمص الحرير
فبتّ أرى الكواكب دانيات ... ينلن أنامل الرّجل القصير
أدافعهن بالكفّين عنّي ... وألثم لبّة القمر المنير «2»
وقال الشاعر:
دع النبيذ تكن عدلا، وإن كثرت ... فيك العيوب، وقل ما شئت يحتمل
هو المشيد بأخبار الرجال؛ فما ... يخفى على الناس ما قالوا وما فعلوا
كم زلّة من كريم ظلّ يشهرها ... من دونها تستر الابواب والكلل
أضحت كنار على علياء موقدة ... ما يستسنّ لها سهل ولا جبل
والعقل عقل مصون لو يباع لقد ... ألفيت بياعه أضعاف ما سألوا
فاعجب لقوم مناهم في عقولهم ... أن يذهبوها بعلّ بعده نهل «1»
قد عقدت بخمار الكأس ألسنهم ... عن الصواب ولم يصبح بها علل
وزرّرت بسنات النوم أعينهم ... كأنّ أحداقها حول وما حولوا
تخال رائحهم من بعد غدوتهم ... حبلى أضرّ بها في مشيها الحبل
فإن تكلّم لم يقصد لحاجته ... وإن مشى قلت مجنون به خبل
وقال:
أخو الشّراب ضائع الصلاة ... وضائع الحرمة والحاجات
وحاله من أقبح الحالات ... في نفسه والعرس والبنات
أفّ له، أف، إلى أفّات ... خمسة آلاف مؤلفات











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید