المنشورات

الفرق بين الخمر والنبيذ

الخمر والنبيذ أول ذلك ان تحريم الخمر مجمع عليه لا اختلاف فيه بين اثنين من الائمة والعلماء، وتحريم النبيذ مختلف فيه بين الاكابر من اصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم والتابعين، حتى لقد اضطر محمد بن سيرين مع علمه وورعه أن يسأل عبيدة السّلماني عن النبيذ، فقال له عبيدة: اختلف علينا فى النبيذ. وعبيدة ممن أدرك أبا بكر وعمر؛ فما ظنك بشيء اختلف فيه الناس وأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام متوافرون، فمن بين مطلق له ومحظر عليه، وكل واحد منهم مقيم الحجج لمذهبه والشواهد على قوله؟.
والنبيذ كل ما ينبذ في الدّبّاء «2» والمزفّت فاشتد حتى يسكر كثيره، وما لم يشتد فلا يسمى نبيذا، كما أنه ما لم يعمل من عصير العنب حتى يشتد لا يسمى خمرا، كما قال الشاعر:
نبيذ إذا مرّ الذّباب بدنّه ... تقطّر أو خرّ الذباب وقيذا «1»
وقيل لسفيان الثوري وقد دعا بنبيذ فشرب منه ووضعه بين يديه: يا أبا عبد اللَّه، أتخشى الذباب أن يقع في النبيذ؟ قال: قبحه اللَّه إن لم يذبّ عن نفسه!.
وقال حفص بن غياث: كنت عند الاعمش وبين يديه نبيذ، فاستأذن عليه قوم من طلبة الحديث، فسترته، فقال لي: لم سترته؟ فكرهت أن أقول: لئلا يراه من يدخل، فقلت: كرهت أن يقع فيه الذباب. فقال لي: هيهات إنه أمنع من ذلك جانبا!.
ولو كان النبيذ هو الخمر التي حرمها اللَّه في كتابه، ما اختلف في تحريمه اثنان من الأمة.
حدث محمد بن وضّاح قال: سألت سحنونا، فقلت: ما تقول فيمن حلف بطلاق زوجته أن المطبوخ من عصير العنب هو الخمر التي حرمها اللَّه في كتابه؟ قال:
بانت «2» زوجته منه.
وذكر ابن قتيبة في كتاب الاشربة ان اللَّه تعالى حرّم علينا الخمر بالكتاب، والمسكر بالسنة، فكان فيه فسحة؛ فما كان محرّما بالكتاب فلا يحل منه لا قليل ولا كثير، وما كان محرّما بالسّنة فإن فيه فسحة أو بعضه، كالقليل من الديباج والحرير يكون في الثوب، والحرير محرّم بالسنة؛ وكالتفريط في صلاة الوتر وركعتي الفجر، وهما سنة؛ فلا نقول إن تاركها كتارك الفرائض من الظهر والعصر.
وقد استأذن عبد الرحمن بن عوف رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم في لباس الحرير لبليّة كانت به.
وأذن لعرفجة بن سعد- وكان أصيب أنفه يوم الكلاب- باتخاذ أنف من الذهب.
وقد جعل اللَّه فيما أحلّ عوضا مما حرّم، فحرّم الربا وأحل البيع، وحرم السفاح «1» وأحل النكاح، وحرم الديباج «2» وأحل الوشي، وحرم الخمر وأحل النبيذ غير المسكر؛ والمسكر منه ما أسكرك.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید