المنشورات

مكاييل العرب

والفرق ستة عشر رطلا. وللعرب أربعة مكاييل مشهورة: أصغرها المدّ وهو رطل وثلث في قول الحجازيين، ورطلان في قول العراقيين. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتوضأ بالمدّ.
والصاع: وهو أربعة أمداد، خمسة أرطال وثلث في قول الحجازيين، وثمانية أرطال في قول العراقيين. وكان رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم يغتسل بالصاع.
والقسط: وهو رطلان وثلثان في قول الناس جميعا.
والفرق: وهو ستة عشر رطلا، ستة أقساط في قول الناس أجمعين.
... وذهبوا إلى حديث رواه ابن قتيبة عن محمد بن عبيد عن ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة: أن رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «كل شراب أسكر فهو حرام» . مع أشياء كهذا من الحديث، يطول الكتاب باستقصائها إلا أن هذه أغلظها في التحريم وأبعدها من حيلة المتأوّل.
قالوا: والشاهد على ذلك من النظر، أن الخمر إنما حرّمت لإسكارها وجناياتها على شاربها، ولأنها رجس كما قال اللَّه.
ثم ذكروا من جنايات الخمر ما قد ذكرناه في صدر كتابنا هذا من آفات الخمر وجناياتها، ثم قالوا: والعلة التي لها حرمت الخمر من الإسكار والصداع والصد عن ذكر اللَّه وعن الصلاة، قائمة بعينها في النبيذ كلّه المسكر، فسبيله سبيل الخمر، لا فرق بينهما في الدليل الواضح والقياس الصحيح؛ كما أن حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم في الفأرة إذا وقعت في السمن: أنه إن كان جامدا ألقيت وألقي ما حولها، وإن كان جاريا أريق السمن؛ فحملت العلماء الزيت ونحوه محمل السمن بالدليل الصحيح.
وعلمت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقصد إلى السمن خاصة بنجس الفأرة، وإنما سئل عن الفأرة تقع في السمن فأفتى فيه، فقاس العلماء الزيت وغيره بالسمن ..... وكما أمر بالاستنجاء بثلاثة أحجار للتنقية من الأذى، فأجازوا كل ما أنقى من الخزف والخرق وغير ذلك، وحملوه محمل الأحجار الثلاثة، ولما حرمت الخمر بعلّة هي قائمة في النبيذ المسكر، حمل النبيذ محمل الخمر في التحريم.
قالوا: ووجدناهم يقولون لمن غلب عليه غنث «1» النفس وصداع الرأس من الخمر: مخمور، وبه خمار، ويقال مثل ذلك في شارب النبيذ، ولا يقولون: منبوذ ولا به نباذ. والخمار مأخوذ من الخمر، كما يقال الكباد في وجع الكبد، والصدار في وجع الصدر.
... وذهبوا في تحريم النبيذ إلى حديث أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه نهى أن ينبذ في الدباء والمزفّت «2» .
... وقالوا: لمن أجاز قليل ما أسكر كثيره: إنه ليس بين شارب المسكر وموافقة السكر حد ينتهى إليه ولا يوقف عنده، ولا يعلم شارب المسكر متى يسكر، كما لا يعلم الناس متى يرقد؛ وقد يشرب الرجل من الشراب المسكر قدحين وثلاثة أقداح ولا يسكر، ويشرب منه غيره قدحا واحدا فيسكر؛ لأنه قد يختلف طبع الرجل في نفسه، فيسكر مرة من القدحين، ويشرب مرة أخرى ثلاثة أقداح فلا يسكر.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید