المنشورات

أدعياء النسك:

وأما قول بعض الشعراء في شاربي النبيذ وما عابوهم به من قلة الوفاء ونقض العهد، فقد قالوا أقبح من ذلك في تارك النبيذ، قال حيص بيص:
ألا لا يغرنك ذو سجدة ... يظلّ بها دائما يخدع
[كأن بجبهته حيلة ... يسبّح طورا ويسترجع]
وما للتّقى لزمت وجهه ... ولكن ليأتي مستودع
ثلاثون ألفا حواها السّجود ... فليست إلى ربّها ترجع
وردّ أخو الكأس ما عنده ... وما كنت في ردّه أطمع
وقال آخر:
أمّا النّبيذ فلا يذعرك شاربه ... واحفظ ثيابك ممن يشرب الماء
قوم يورّون عما في نفوسهم ... حتى إذا استمكنوا كانوا هم الدّاء
مشمّرين إلى أنصاف سوقهم ... هم الذّئاب وقد يدعون قرّاء
وقال أعرابيّ:
صلّى فأزعجني وصام فراعني ... نحّ القلوص عن المصلّي الصائم!
وقال:
شمّر ثيابك واستعدّ لقائل ... واحكك جبينك للقضاء بثوم
وامش الدبيب إذا مشيت لحاجة ... حتى تصيب وديعة ليتيم «1»
وقال بعض الظرفاء:
أظهروا واللَّه سمتا ... وعلى المنقوش داروا «2»
وله صلّوا وصاموا ... وله حجّوا وزاروا
لو يرى فوق الثّريّا ... ولهم ريش لطاروا!
فهؤلاء المراءون بأعمالهم، العاملون للناس والتاركون للناس، هم شرار الخلق وأراذل البرية.
وقد فضل شربة النبيذ عليهم بإرسال الأنفس على السجية، وإظهار المروءة ولست أصف بهذا منهم إلا دينا، فليس في الناس صنف إلا ولهم حشو.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید