المنشورات

ابن إدريس الكوفي

ولم يكن أحد من الكوفيين يحرّم النبيذ غير عبد اللَّه بن إدريس، وكان بذلك معيبا.
وقيل لابن إدريس: من خيار أهل الكوفة؟
فقال: هؤلاء الذين يشربون النبيذ! قيل: وكيف وهم يشربون ما يحرم عندك؟
قال: ذلك مبلغهم من العلم.
وكان ابن المبارك يكره شرب النبيذ ويخالف فيه رأي المشايخ وأهل البصرة.
وقال أبو بكر بن عياش: [قلت له] : من أين جئت بهذا القول في كراهيتك النبيذ ومخالفتك أهل بلدك؟
قال: هو شيء اخترته لنفسي.
قلت: فتعيب من شربه؟
قال: لا.
قلت: أنت وما اخترت.
وكان عبد اللَّه بن داود يقول: ما هو عندي وماء الفرات إلا سواء.
وكان يقول: أكره إدارة القدح، وأكره نقبع الزبيب، وأكره المعتّق.
قال: ومن أدار القدح لم تجر شهادته.
وشهد رجل عند سوّار القاضي، فردّ شهادته لأنه كان يشرب النبيذ؛ فقال:
أمّا الشراب فإني غير تاركه ... ولا شهادة لي ما عاش سوّار
حدث شبابة قال: حدثني غسان بن أبي صباح الكوفي عن أبي سلمة يحيى بن دينار عن أبي المظهر الورّاق قال: بينما زيد بن عليّ في بعض أزقّة الكوفة: إذ مرّ به رجل من الشيعة، فدعاه إلى منزله، وأحضر طعاما؛ فتسامعت به الشيعة، فدخلوا عليه حتى غص المجلس بهم، فأكلوا معه، ثم استسقى، فقيل له: أيّ الشراب نسقيك يا بن رسول اللَّه؟
قال: أصلبه وأشدّه.
فأتوه بعسّ من نبيذ، فشرب وأدار العس عليهم فشربوا؛ ثم قالوا: يا بن رسول اللَّه، لو حدثتنا في هذا النبيذ بحديث رويته عن أبيك عن جدّك؛ فإن العلماء يختلفون فيه! قال: نعم حدثني أبي عن جدي أنّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لتركبنّ طبقة بني إسرائيل حذو القذّة «1» بالقذّة والنعل بالنعل. ألا وإنّ اللَّه ابتلى بني إسرائيل بنهر طالوت، أحل منه الغرفة والغرفتين وحرّم منه الريّ؛ وقد ابتلاكم بهذا النبيذ، أحلّ منه القليل وحرّم منه الكثير.
وكان أهل الكوفة يسمون النبيذ: نهر طالوت؛ وقال فيه شاعرهم:
اشرب على طرب من نهر طالوت ... حمراء صافية في لون ياقوت
من كفّ ساحرة العينين شاطرة ... تربي على سحر هاروت وماروت «2»
لها تماويت ألحاظ إذا نظرت ... فنار قلبك من تلك التّماويت «3»













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید