المنشورات

الحسين بن الضحاك وشفيع خادم المتوكل

حدثنا عيسى بن أحمد الكاتب قال: قال الحسين بن الضحاك: دخلت على جعفر المتوكل، وشفيع الخادم ينضد وردا بين يديه- ولم يعرف في ذلك الزمان خادم كان أحسن منه ولا أجمل- وعليه ثياب مورّدة، فأمره أن يسقيني ويغمز كفي؛ ثم قال لي:
يا حسين، قل في شفيع. وقد كان حيّا المتوكل بوردة، فجعل المتوكل يشرب ويشمّ الوردة؛ فقلت:
وكالدّرّة الحمراء حيّا بأحمر ... من الورد يمشي في قراطق كالورد «1»
ويغمز كفّي عند كلّ تحيّة ... بكفّيه تستدعي الشجيّ إلى الورد «2»
سقاني بكفّيه وعينيه شربة ... فأذكرني ما قد نسيت من العهد
سقى اللَّه دهرا لم أبت فيه ليلة ... من الدّهر إلا من حبيب على وعد!
فأمر المتوكل شفيعا أن يسقيني، وبعث معه إلي بتحايا في عبير وشمّامات «3» وروي أن محمد بن عبد الملك الزيات وزير المتوكل كان يتعشق خادما للمتوكل يقال له شفيع، وكان الحسن بن وهب كاتبه كلفا بذلك الخادم: فلقيه الحسن بن وهب يوما، فسأله عن خبره، فأخبره أنه يريد أن يحتجم؛ فلم يبق بالعراق غريبة إلا بعث بها إليه، ولا ظريف من الأشربة إلا أدخله عليه، وكتب إليه بهذه الابيات:
ليت شعري يا أملح الناس عندي ... هل تعالجت بالحجامة بعدي؟
قد كتمت الهوى بمبلغ جهدي ... ففشا منه بعض ما كنت أبدي
وخلعت العذار فليعلم النا ... س بأني إليك أصفي بودّي «1»
من عذيري من مقلتيك ومن إش ... راق وجه من حول حمرة خدّ
فصادف رسوله رسولا لمحمد بن عبد الملك الزيات الوزير، فرأى رقعة الحسن، فاحتال لها حتى أخذها، وأوصلها إلى محمد بن عبد الملك، فلما قرأها كتب إلى كاتبه الحسن بن وهب:
ليت شعري عن ليت شعرك هذا ... أبهزل تقوله أم بجدّ؟
فلئن كان ما تقول بجدّ ... يا ابن وهب لقد تفتّيت بعدي «2»
وتشبّهت بي وكنت أرى ... أنّي أنا الهائم المتيّم وحدي
لا أرى القصد في الأمور، ولولا ... غمرات الصبا لأبصرت قصدي
سيّدي سيدي، ومولاي من أل ... بسني ذلّة وأخلف وعدي
لا أحبّ الذي يلوم وإن كا ... ن حريصا على صلاحي ورشدي
وأحب الأخ المشارك في الحبّ ... وإن لم يكن به مثل وجدي «3»
كصديقي أبى عليّ وحاشا ... لصديقي من مثل شقوة جدّي
إنّ مولاي عبد عبدي ولولا ... شؤم جدّي لكان مولاي عبدي
فلما التقى ابن الزيات الوزير وكاتبه الحسن بن وهب في بيت الديوان، تداعبا في ذلك، وسأله ابن الزيات أن يتجافى له عنه، فقال له الحسن: طاعتك واجبة في المحبوب والمكروه، ولكن الرئيس أدام اللَّه عزه كان أولى بالفضل! فقال له ابن الزيات: هيهات، هذه علة نفسانية تؤدي إلى التلف، فتنحّ عن نصيبك مني! فقال الحسن: إن كان هذا هكذا سمعنا وأطعنا، وأنشد:
شهيدي على ما في فؤادي من الهوى ... دموع تباري المستهلّ من القطر
فأسلمني من كان بالأمس مسعدي ... وصار الهوى عونا عليّ مع الدّهر











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید