المنشورات
العمل عند المعتزلة كالقول
وأعلم أنّ لصاحب الفتنة والمكر والمخبر من معاريض القول من التورية في الكلام ومن إضمار المعاني في الالفاظ إلى ما يخرجه من الكذب وإن وهّم ذلك القول السامع الطالب والمستحلف الغاصب الموافقة والرضى بحكمه ما ليس لغيره، وهذا هو المعنى في الفتنة التي أناخها الله تعالى بعباده، وقد كان له أن يتعبّدهم بالإفصاح وإن قتلوا عن آخرهم.
ونحن نزعم أنّ اليمين إذا كانت لازمة لك فهي على ضمير من استحلفك، وإذا كانت غير لازمة فهي على ضمير الحالف؛ وكذلك البيعة وجميع الكلام، والعمل عندنا في ذلك كالقول؛ ولو أنّ غاصبا أخذ عليك يمينا للبيعة له، كان لك أن تقول «نعم» ولست تريد التي هي خلاف «لا» ولكن تر [يد] النّعم من الابل والبقر؛ وإن كنت تعدّ أنه يظنّ غير ما تعني، تقول أيضا عند استخلافه «نعم» وان وهّمت الكلمة معنى «نعم» التي هي خلاف «لا» وأنت تريد الطاعة؛ ولو قال لي بعض من أخافه على نفسي: «قل: المسيح ابن الله» ، لكان لي أن أقول [ذلك] وأنوي أنه كذلك عند النصارى، وإن علمت أنه لا يتوهّم إلا ما دلّ عليه [اللفظ] ؛ فان أمكن أن أنوي واوجّه الكلام واعمل الاضمار والاستثناء ولا عناء عليّ فيه ولا مشقة ولا تعتعة يرتاب بها، ثمّ لم اضمر خوفا من فطنته فقد شرحت بالكفر صدرا، فإذا جاز أن أقول إنّ مع الله إلاها آخر وإنّ محمدا- عليه السلام- كذّاب وإنّ مسيلمة صدوق إذا خفت على نفسي، بعد أن أضمر و [ ... ] وإن كان ظاهر قولي التكذيب لمحمّد صلى الله عليه وسلم، جاز أن أقول إنّ أبا موسى حكيم وله أن يحكم وأنا أنوي غير ما أظهر وأضمر غير ما أبدي إذا خفت على الناس الفتنة والهرج والفساد وتبديل الحكم.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل السياسية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
29 مايو 2024
تعليقات (0)