المنشورات
العرب أمة واحدة
وزعمت أنّ هؤلاء وإن اختلفوا في بعض اللّغة، وفارق بعضهم بعضا في بعض الصّور، فقد تخالفت عليا تميم، وسفلى قيس، وعجز هوازن وفصحاء الحجاز، في اللّغة، وهي في أكثرها على خلاف لغة حمير، وسكان مخاليف اليمن، وكذلك في الصّورة والشمائل والأخلاق. وكلّهم مع ذلك عربيّ خالص، غير مشوب ولا معلهج ولا مذرّع ولا مزلّج. ولم يختلفوا اختلاف ما بين بني قحطان وبني عدنان، من قبل ما طبع الله عليه تلك البريّة من خصائص الغرائز، وما قسم الله تعالى لأهل كلّ جيزة من الشّكل والصّورة ومن الأخلاق واللّغة.
فإن قلت: فكيف كان أولادهما جميعا عربا مع اختلاف الأبوّة.
قلنا: إنّ العرب لما كانت واحدة فاستووا في التّربة وفي اللغة، والشّمائل والهمّة، وفي الأنف والحميّة، وفي الأخلاق والسّجيّة، فسبكوا سبكا واحدا، وأفرغوا إفراغا واحدا، وكان القالب واحدا، تشابهت الأجزاء وتناسب الأخلاط، وحين صار ذلك أشدّ تشابها في باب الأعمّ والأخصّ وفي باب الوفاق والمباينة من بعض ذوي الأرحام، جرى عليهم حكم الاتّفاق في الحسب، وصارت هذه الأسباب ولادة أخرى حتّى تناكحوا عليها، وتصاهروا من أجلها، وامتنعت عدنان قاطبة من مناكحة بني إسحاق وهو أخو إسماعيل، وجادوا بذلك في جميع الدهر لبني قحطان- وهو ابن عابر- ففي إجماع الفريقين على التناكح والمصاهرة، ومنعهما من ذلك جميع الأمم: كسرى فمن دونه، دليل على أنّ النسب عندهم متّفق، وأنّ هذه المعانى قد قامت عندهم مقام الولادة والأرحام الماسّة.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل السياسية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
29 مايو 2024
تعليقات (0)