المنشورات

مفاخر الخراسانيين

وذكرت أنّه ذكر جملا من مفاخرة الأجناس، وجمهرة من مناقب هذه الأصناف، وأنه جمع ذلك وفصّله وفسّره، وأنه ألغى ذكر الأتراك فلم يعرض لهم، وأضرب عنهم صفحا، يخبر عنهم كما أخبر عن حجّة كلّ جيل، وعن برهان كلّ صنف، وذكر أنّ الخراسانيّ يقول: نحن النّقباء وأبناء النقباء؛ ونحن النّجباء وأبناء النّجباء، ومنّا الدّعاة، قبل أن تظهر نقابة، أو تعرف نجابة، وقبل المغالبة والمباراة، وقبل كشف القناع وزوال التّقيّة وزوال ملك أعدائنا عن مستقرّه، وثبات ملك أوليائنا في نصابه. وبين ذلك ما قتلنا وشرّدنا، ونهكنا ضربا وبضعنا بالسّيوف الحداد، وعذّبنا بألوان العذاب.
وبنا شفى الله الصّدور، وأدرك الثأر. ومنّا الاثنا عشر النّقباء، والسّبعون النّجباء. ونحن الخندقيّة، ونحن الكفّيّة وأبناء الكفية، ومنا المستجيبة ومن يهرج التيمية ومنّا نيم خزان وأصحاب الجوربين ومنا الزّغنديّة والآزاذمردية.
ونحن فتحنا البلاد وقتلنا العباد، وأبدنا العدوّ بكلّ واد. ونحن أهل هذه الدولة، وأصحاب هذه الدعوة، ومنبت هذه الشجرة. ومن عندنا هبّت هذه الرّيح.
والأنصار أنصاران: الأوس والخزرج نصروا النبي صلى الله عليه وسلم في أوّل الزمان، وأهل خراسان نصروا ورثته في آخر الزّمان. غذانا بذلك آباؤنا وغذونا به أبناءنا وصار لنا نسبا لا نعرف إلّا به، ودينا لا نوالي إلّا عليه.
ثم نحن على وتيرة واحدة، ومنهاج غير مشترك؛ نعرف بالشيعة، وندين بالطّاعة، ونقتل فيها ونموت عليها. سيمانا موصوف، ولباسنا معروف. ونحن أصحاب الرّايات السّود، والروايات الصحيحة، والأحاديث المأثورة، والذين يهدّمون مدن الجبابرة، وينزعون الملك من أيدي الظّلمة، وفينا تقدّم الخبر، وصحّ الأثر. وجاء في الحديث صفة الذين يفتحون عمّوريّة ويظهرون عليها، ويقتلون مقاتليها ويسبون ذراريها، حيث قالوا في نعتهم: «شعورهم شعور النساء، وثيابهم ثياب الرهبان» . فصدّق الفعل القول، وحقّق الخبر العيان.
ونحن الذين ذكرنا وذكر بلاءنا امام الأئمة، وأبو الخلائق العشرة: محمّد ابن علي، حين أراد توجيه الدّعاة إلى الآفاق، وتفريق شيعته في البلاد، أن قال:
أما البصرة وسوادها فقد غلب عليها عثمان وصنائع عثمان، فليس بها من شيعتنا إلّا القليل. وأمّا الشام فشيعة بني مروان وآل أبي سفيان. وأمّا الجزيرة فحروريّة شارية، وخارجة مارقة، ولكن عليكم بهذا الشّرق؛ فإنّ هناك صدورا سليمة وقلوبا باسلة، لم تفسدها الأهواء، ولم تخامرها الأدواء، ولم تعتقبها البدع، وهم مغيظون موتورون. وهناك العدد [والعدّة] ، والعتاد والنّجدة.
ثم قال: [وأنا أتفاءل] إلى حيث يطلع منه النهار. فكنّا خير جند لخير إمام؛ فصدّقنا ظنّه، وثبّتنا رأيه، وصوّبنا فراسته.
وقال مرّة أخرى:
أمرنا هذا شرقيّ لا غربيّ، ومقبل لا مدبر، يطلع كطلوع الشمس، ويمتدّ على الآفاق امتداد النهار، حتّى يبلغ حيث تبلغه الأخفاف، وتناله الحوافر.
قالوا: ونحن قتلنا الصّحصحيّة، والدّالقية، والذّكوانيّة، والرّاشديّة.
ونحن أيضا أصحاب الخنادق أيّام نصر بن سيّار. وابن جديع الكرمانيّ، وشيبان بن سلمة الخارجي. ونحن أصحاب نباتة بن حنظلة، وعامر بن ضبارة، وأصحاب ابن هبيرة. فلنا قديم هذا الأمر وحديثه، وأوّله وآخره ومنّا قاتل مروان.
ونحن قوم لنا أجسام وأجرام، وشعور وهام، ومناكب عظام، وجباه عراض، وقصر غلاظ، وسواعد طوال.
ونحن أولد للذّكورة، وأنسل بعولة. وأقلّ ضوى وضؤولة، وأقلّ إتاما وأنتق أرحاما، وأشدّ عصبا وأتمّ عظاما، وأبداننا أحمل للسلاح، وتجفافنا أملأ للعيون.
ونحن أكثر مادّة، وأكثر عددا وعدّة.
ولو أنّ يأجوج ومأجوج كاثروا من وراء النّهر منّا لظهروا عليهم بالعدد.
فأمّا الأيد وشدّة الأسر، فليس لأحد بعد عاد وثمود والعمالقة والكنعانيّين مثل أيدنا وأسرنا.
ولو أن خيول الأرض وفرسان جميع الأطراف جمعوا في حلبة واحدة، لكنّا أكثر في العيون، وأهول في الصّدور.
ومتى رأيت مواكبنا وفرساننا، وبنودنا التي لا يحملها غيرنا، علمت أننا لم نخلق إلّا لقلب الدّول، وطاعة الخلفاء، وتأييد السلطان.
ولو أنّ أهل التبت ورجال الزابج، وفرسان الهند، وحلبة الرّوم، هجم عليهم هاشم بن أشتا خنج لما امتنعوا من طرح السّلاح والهرب في البلاد.
ونحن أصحاب اللّحى وأرباب النّهى، وأهل الحلم والحجا، وأهل الثّخانة في الرأي، والبعد من الطّيش. ولسنا كجند الشّام المتعرّضين للحرم، والمنتهكين لكلّ محرم.
ونحن ناس لنا أمانة وفينا عفّة. ونحن نجمع بين النّزاهة والقناعة والصّبر على الخدمة، والتجمير عند بعد الشّقّة. ولنا الطّبول المهولة العظام والبنود، ونحن أصحاب التجافيف والأجراس، والبازيكند واللّبود الطّوال، والأغماد المعقّفة والشّوارب المعقربة، والقلانس الشاشيّة، والخيول الشهرية، والكافر كوبات والطّبرزينات [في الأكفّ] ، والخناجر في الأوساط. ولنا حسن الجلسة على ظهور الخيل. ولنا الأصوات التي تسقط منها الحبالى.
وليس في الأرض صناعة غريبة من أدب وحكمة، وحساب وهندسة، وإيقاع وصنعة، وفقه ورواية، نظرت فيها الخراسانية إلّا فرعت فيها الرّؤساء، وبزّت فيها العلماء.
ولنا صنعة السّلاح من لبد وركاب ودرع. ولنا مما جعلناه رياضة وتمرينا، وإرهاصا للحرب، وتثقيفا ودربة للمجاولة والمشاولة، [و] للكرّ بعد الكرّ:
مثل الدّبّوق، والنزو على الخيل صغارا، ومثل الطّبطاب والصّوالجة الكبار، ثم رمي المجثّمة، والبرجاس والطائر الخطّاف.
فنحن أحقّ بالأثرة، وأولى بشرف المنزلة.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید