المنشورات
شروط الحاجب
قال المنصور للمهديّ: لا ينبغي أن يكون الحاجب جهولا، ولا غبيّا، ولا عييّا، ولا ذهولا ولا متشاغلا، ولا خاملا ولا محتقرا، ولا جهما ولا عبوسا. فإنّه إن كان جهولا أدخل على صاحبه الضّرر من حيث يقدّر المنفعة، وإن كان عيّيا لم يؤدّ إلى صاحبه ولم يؤدّ عنه، وإن كان غبيّا جهل مكان الشريف فأحلّه غير منزلته، وحطّه عن مرتبته، وقدّم الوضيع عليه، وجهل ما عليه وماله. وإن كان ذهولا متشاغلا أخلّ بما يحتاج إليه صاحبه في وقته، وأضاع حقوق الغاشين لبابه، واستدعى الذّمّ من الناس له، وأذن عليه لمن لا يحتاج إلى لقائه ولا ينتفع بمكانه. وإذا كان خاملا محتقرا أحلّ الناس صاحبه في محلّه وقضوا عليه به. وإذا كان جهما عبوسا تلقّى كل طبقة من الناس بالمكروه، فترك أهل النصائح نصائحهم. وأخلّ بذوي الحاجات في حوائجهم، وقلّت الغاشية لباب صاحبه، فرارا من لقائه.
الهيثم بن عديّ عن مجالد عن الشّعبيّ، أن عبد الملك بن مروان قال لأخيه عبد العزيز بن مروان، حين ولّاه مصر:
إنّ الناس قد أكثروا عليك، ولعلك لا تحفظ، فاحفظ عنّي ثلاثا.
قال: قل يا أمير المؤمنين.
قال: انظر من تجعل حاجبك، ولا تجعله إلّا عاقلا فهما مفهما، صدوقا لا يورد عليك كذبا، يحسن الأداء إليك والأداء عنك. ومره ألّا يقف ببابك أحد من الأحرار إلّا أخبرك، حتى تكون أنت الآذان له أو المانع؛ فإنه إن لم يفعل كان هو الأمير وأنت الحاجب. وإذا خرجت إلى أصحابك فسلّم عليهم يأنسوا بك. وإذا هممت بعقوبة فتأنّ فيها؛ فإنّك على استدراكها قبل فوتها أقدر منك على انتزاعها بعد فوتها.
وقال سهل بن هارون للفضل بن سهل:
إنّ الحاجب أحد وجهي الملك، يعتبر عليه برأفته، ويلحقه ما كان في غلظته وفظاظته. فاتخذ حاجبك سهل الطبيعة، معروفا بالرأفة، مألوفا منه البرّ والرّحمة. وليكن جميل الهيئة حسن البسطة، ذا قصد في نيّته وصالح أفعاله. ومره فليضع الناس على مراتبهم، وليأذن لهم في تفاضل منازلهم، وليعط كلّا بقسطه من وجهه، ويستعطف قلوب الجميع إليه، حتى لا يغشى الباب أحد وهو يخاف أن يقصّر به عن مرتبته، ولا أن يمنع في مدخل أو مجلس أو موضع إذن شيئا يستحقّه، ولا أن يمنع أحدا مرتبته. وليضع كلّا عندك على منزلته. وتعهدّه فإن قصّر مقصّر قام بحسن خلافته وتزيين أمره.
وقال كسرى أنوشروان في كتابه المسمى «شاهيني» :
ينبغى أن يكون صاحب إذن الخاصّة رجلا شريف البيت، بعيد الهمّة، بارغ الكرم، متواضعا طلقا، معتدل الجسم بهيّ المنظر، ليّن الجانب، ليس ببذخ ولا بطر ولا مرح، ليّن الكلام، طالبا للذّكر الحسن، مشتاقا إلى محادثة العلماء ومجالسة الصّلحاء، محبّا لكلّ ما زين عمله، معاندا للسّعاة، مجانبا للكذّابين، صدوقا إذا حدّث، وفيّا إذا وعد، متفهّما إذا خوطب، مجيبا بالصواب إذا روجع، منصفا إذا عامل، آنسا مؤنسا، محبّا للأخيار، شديد الحنوّ على المملكة، أديبا له لطافة في الخدمة، وذكاء في الفهم، وبسطة في المنطق، ورفق في المحاورة، وعلم بأقدار الرجال وأخطارها.
وقال في حاجب العامّة:
ينبغي أن يكون حاجب العامّة رجلا عبد الطّاعة، دائم الحراسة للملك، مخوف اليد، خشن الكلام مروّعا، غير باطش إلّا بالحقّ، ولا أنيسا ولا مأنوسا، دائم العبوس، شديدا على المريب، غير مستخفّ بخاصّة الملك ومن يهوى ويقرّ، من بطانته.
قال عبد الملك لأخيه عبد العزيز، حين وجّهه إلى مصر:
اعرف حاجبك، وجليسك، وكاتبك. فإنّ الغائب يخبره عنك كاتبك، والمتوسّم يعرفك بحاجبك، والخارج من عندك يعرفك بجليسك.
وقال يزيد بن المهلب لابنه مخلد حين ولّاه جرجان: استطرف كاتبك، واستعقل حاجبك.
وقال الحجّاج: حاجب الرجل وجهه، وكاتبه كلّه.
وقال ابن أبي زرعة: [قال] رجل من أهل الشام، لأبي الخطاب لحسن بن محمد الطائي يعاتبه [في حجابه] :
هذا أبو الخطاب بدر طالع ... من دون مطلعه حجاب مظلم
ويقال وجه المرء حاجبه كما ... بلسان كاتبه الفتى يتكلّم
أدنيت من قبل اللّقاء، وبعده ... أقصيت، هل يرضى بذا من يفهم
وإذا رأيت من الكريم فظاظة ... فإليه من أخلاقه أتظلّم
وقال الفضل بن يحيى: إنّ حاجب الرجل عامله على عرضه، وإنّه لا عوض لحرّ من نفسه، ولا قيمة عنده لحرّيّته وقدره.
وأنشدني ابن أبي كامل في هذا المعنى:
واعلمن إن كنت تجهله ... أنّ عرض المرء حاجبه
فبه تبدو محاسنه ... وبه تبدو معايبه
مصادر و المراجع :
١- الرسائل السياسية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
29 مايو 2024
تعليقات (0)