المنشورات

تفضيل النخل على الزرع سبب سخيف للعداوة

وبعد متى صار اختيار النّخل على الزرع يحقد الإخوان، ومتى صار تفضيل الحبّ وتقريظ الثّمر يورث الهجران، ومتى تميّزوا هذا التميّز وتهالكوا هذا التهالك؟ ومتى صار تقديم النحلة ملّة، وتفضيل السنبلة نحلة؟ ومتى صار الحكم للنّعجة نسبا وللكرمة صهرا، ومتى تكون فيها ديانة وتستحكم فيها بصيرة، ويحدث عنها حميّة.
وقد كنا نعجب من حرب البسوس في ضرع ناب، ومن حرب بعاث في مخرف تمر، ومن حرب غطفان في سبق دابّة. فجئتنا أنت بنوع من العجب أبطل كلّ عجب، وآنسنا بكل غريب، وحسّن عندنا كلّ قبيح، وقرّب عندنا كلّ بعيد.
فإن جهلت- أعزّك الله- غضبك فمثلي جهل ما لا علّة له، وإن عجزت عن احتمال عقابك فمثلي ضجّ مما لا يطيق حمله. ولا عار على جازع إلّا فيما يمكن في مثله الصبر، ولا لوم على جاهل فيما لا ينجح في مثله الفكر. 
وليس هذا أوّل شرك نصبته، ولا أوّل كيد أرغته، ولا هي بأول زبية غطّيتها وسترتها، وحيلة أكمنتها وربصتها.
وقد كانت التقيّة والاقتصاد أسلم، بل كان العفو أرحم، والتغافل أكرم.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید