المنشورات
ابن حبناء التميمي في مكارم الأخلاق
وقال ابن حبناء التميمي:
أعوذ بالله من حالٍ تزين لي ... لوم العشيرة أو تدني من النار
لا أقرب البيت أحبو من مؤخره ... ولا أكسر في ابن العم أظفاري
إن يحجب الله أبصاراً أراقبها ... فقد يرى الله حال المدلج الساري
وقوله:
لا أقرب البيت أحبو من مؤخره
يقول: لا آتيه لريبةٍ. ومثل ذلك قوول الشاعر1:
ولست بصادرٍ من بيت جاري ... كفعل العير غمره الورود
يقول: لا أخرج خروج الخائف، لأنه إنما يقال: تغمر الشارب إذا لم يرو، ويقال للقدح الصغير: الغمر من هذا.
وقوله:
ولا أكسر في ابن العم أظفاري
يقول: لا أغتابه، وهذا مثلٌ كما قال الحطيئة:
ملوا قراه وهرته كلابهم ... وجرحوه بأنياب وأضراس
وقوله:
فقد يرى الله حال المدلج الساري
فالمدلج: الذي يسير من أول الليل، يقال: أدلجت، أي سرت من أول الليل، وأدلجت: أي سرت في السحر، قال زهير:
بكرن بكوراً وادلجن بسحرةٍ 2
والسرى لا يكون إلا سير الليل، قال الله عز وجل: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} 3 من قولك أسريت، وهي اللغة القرشية، وغيرهم من العرب يقول سريت، وقد جاء هذه اللغة في القرآن، قال الله عز وجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} 4 فهذا من سرى،ولو كان من" أسرى" لكان" يسري"، كما قال لبيد:
فبات وأسرى القوم آخر ليلهم ... وما كان وقافاً بغير معصر
والمعصر الملجأ، والسري إنما هو من قولك سرى، كقولك: قضى فهو قاض، ومن أسرى يقال للفاعل: مسرٍ كما تقول: أعطى فهو معطٍ، كما قال الأخطل:
نازعتهم طيب الراح الشمول وقد ... صاح الدجاج وحانت وقعه الساري
والدجاج هاهنا: الديوك، يريد وقت السحر، لأنه يقال للديك: هذا دجاجة، فإن أردت الأنثى قلت، هذه، وكذلك هذا بقرة، وهذا بطة، وهذا حمامة إذا أردت الذكر، ولهذا باب يذكر فيه إن شاء الله. قال جرير:
لما تذكرت بالديرين أرقني ... صوت الدجاج وقرع باانواقيس
وقوله:،" أرقني صوت الدجاج"، والأرق لايكون في آخر الليل وإنما يكون في جميعه.
وكذلك النواقيس لا تقرع أيضاً إلا في السحر فإنما أراد: أرقني انتظاري هذا الوقت، لأنه وعد فيه وعداً فهو منتظر له.
قال أبو الحسن: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى الأبيات الرائية المتقدمة بتمامها على ما أذكره لك عن أبي عبد الله بن العرابيٌ، وهي لأحد ابني حبناء أحسبه صخراٌ وهما من بني تميم، وكان من الأزارقة قال:
إني هزئت من أم الغمر إذ هزئت ... بشيب رأسي، وما بالشيب من عار
ما شقوة المرء بالإقتار يقتره ... ولا سعادته يوماٌ باكثار1
إن الشقي الذي في النار منزله ... والفوز فوز الذي ينجو من النار
أعوذ بالله من أمر يزين لي ... لوم العشيرة أو يدني من العار
وخير دنيا ينسي شر آخرة ... وسوف ينبئني الجبار أخباري
ثم يتفقان بعد الرواية، وكان ربما أنشدنا: " إني هزأت من آم الغمر".
مصادر و المراجع :
١- الكامل في اللغة والأدب
المؤلف: محمد بن
يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)
المحقق: محمد أبو
الفضل إبراهيم
الناشر: دار
الفكر العربي - القاهرة
الطبعة: الطبعة
الثالثة 1417 هـ - 1997 م
31 مايو 2024
تعليقات (0)