المنشورات
فخر معبد بخمسة أصوات من غنائه
ويروى أن معبداً بلغه أن قتيبة بن مسلم فتح خمس مدائن، فقال: لقد غنيت خمسةَ أصواتٍ، هن أشد من فتح المدائن التي فتحها قتيبة. والأصواتُ:
ودع هريرةَ إن الركبَ مرتحِلُ ... وهل تطيق وداعاً أيها الرجلُ
وقوله:
هريرةَ ودعها وإن لام لائمُ ... غداة غدٍ أم أنت للبين واجمُ
وقوله:
رأيتُ عرابةً الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرينِ
وقوله:
ودع لبابةَ قبل أن تترحلا ... واسأل فإن قليله أن تسألا
وقوله:
لعمري لئن شطت بعثمة دارها ... لقد كنت من خوف الفراق أليحُ
أما قوله:
ودع هريرة إن الركب مرتحلُ
وقوله:
هريرةَ ودعها وإن لام لائمُ
فللأعشى، يعاتب فيهما يزيد بن مسهر الشيباني، يقول:
أبلغ يزيد بني مألكةً ... أنا ثبيب أما ينفك تأتكلُ1
ألست منتهياً عن نحت أثلتنا ... ولست ضائرها من أطت الإبلُ2
كناطح صخرةً يوماً ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعلُ
ويقولُ في الأخرى يعاتبه أيضاً:
يزيد يغض الطرف دوني كأنما ... زوى بين عينيهِ علي المحاجمُ
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ... ولا تلقني إلا وأنفكَ راغمُ
فأقسم إن جد التقاطع بيننا ... لتصطفقن يوماً عليكَ المآتم3
وتلقى حصانٌ تنصف ابنة عمها ... كما كان يلقى الناصعاتُ الخوادمُ4
إذا اتصلت قالت: أبكرَ بن وائلٍ? ... وبكرٌ سبتها والأنوف رواغمُ
فأما الشعر الثالث فللشماخ بن ضرار بن مرة بن عطفان، يقوله لعرابة بن أوس بن قيظي الأنصاري:
رأيت عرابةَ الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطعَ القرينِ
إذا ما رايةٌ رفعت لمجدٍ ... تلقها عرابةُ باليمين
إذا بلغتني وحملتِ رحلي ... عرابةَ فاشرقي بدمِ الوتينِ
والرابع لعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، يقوله في بعض الروايات:
ودع لبابة قبل أن تترحلا ... واسأل فإن قليله أن تسألا
أمكث لعمرك ساعةً فتأنها ... فعسى الذي بخلت به أن يبذلا
لسنا نبالي حين ندرك حاجةً ... إن بات وظل المطي معقلا
والشعر الخامس لا أعرفه.
ولم يتغن معبد في مدح قط إلا في ثلاثة أشعارٍ، منها ما ذكرنا في عرابةَ، ومنها قول عبد الله بن قيس الرقياتِ في عبد الل بن جعفر بن أبي طالب:
تقدت بي الشهباءُ نحو ابن جعفرٍ ... سواءٌ عليها ليلها ونهارها
والثالث قول موسى شهواتٍ في حمزةَ بن عبد الله بن الزبيرِ:
حمزة المبتاع بالمال الثنا ... ويرى في بيعه أن قد غبن
وهو إن أعطى عطاء كاملا ... ذا إخاء لم يكدره بمن
ونحن ذاكرو قصص هذه الأشعار التي جرت فيها عتب ما وصفنا إن شاء الله.
قال أبو العباس: كان عبد الله بن قيس الرقياتِ منقطعاً إلى مصعب بن الزبير، وكان كثير المدح له، وكان يقاتلُ معه، وفيه يقول:
إنما مصعبٌ شهابٌ من الله ... تجلت عن وجهه الطلماءُ
ملكهُ ملكُ قوةٍ ليس فيهِ ... جبروتٌ منه ولا كبرياءُ
يتقي الله في الأمور وقد أفلحَ ... منكان همهُ الإتقاءُ
قال أبو العباس1: وله فيه أشعار كثيرةٌ، فلما قتل مصعب بن الزبير1 كان عبد الملك على قتل عبد الله بن قيس، فهرب فلحق بعبد الله بن جعفر، فشفع فيه إلى عبد الملك، فشفعه في أن ترك دمه، فقال: ويدخل إليك يا أمير المؤمنين فنسمع منه? فأبى، فلم يزل به حتى أجابه، ففي ذلك يقول لعبد الله بن جعفرٍ:
أتيناك نثني بالذي أنت أهلهُ ... عليك كما أثنى على الأرض جارها
تقدت بين الشهباءُ نحو ابن جعفرٍ ... سواءٌ عليها ليلها ونهارها
تزور فتى قد يعلم الناسُ أنه ... تجود له كفٌّ قليلٌ غرارها
فوالله لولا أن تزور ابن جعفرٍ ... لكان قليلا في دمشق قرارها
والشعر الذي مدح به عبد الملك:
عاد له من كثيرةَ الطربُ ... فعينه بالدموع تنسكبُ
وفيها يقول:
ما نقموا من بني أمية إلا ... أنم يحلمون إن غضبوا
وأنهم سادةُ الملوك فلا ... تصلح إلا عليهم العربُ
إن الفنيق الذي أبوه أبو العا ... صي عليه الوقارُ والحجبُ
خليفة الله في رعيتهِ ... جفت بذاك الأقلامُ والكتبُ
يعتدلُ التاجُ فوق مفرقهِ ... على جبين كأنه الذهبُ
فقال له عبد الملك: أتقول لمصعبٍ:
إنما مصعبٌ شهابٌ من الله ... تجلتْ عن وجههِ الظلماءُ
وتقول لي:
يعتدل التاجُ فوق مفرقهِ ... على جبين كأنه الذهبُ!
وأما شعر الشماخ في عرابةَ فقد ذكر في موضعه بحديثهِ.
وأما الشعر في حمزة بن عبد الله بن الزبير فإنه لموسى شهواتٍ، وكان موسى قال لمعبدٍ: أقول شعراً في حمزةَ وتتغنى أنتَ به، فما أعطاك من شيء فهو بيننا! فقال هذا الشعرَ:
حمزةُ المبتاعُ بالمال الثنا ... ويرى في بيعه أن قد غبنْ
وو إن أعطى عطاء كاملا ... ذا إخاءٍ لم يكدره بمنْ
وإذ ما سنةٌ مجحفةٌ ... برت المالَ كبري بالسفنْ
حسرت عنه نقيا لونهُ ... طاهرَ الأخلاق ما فيه درنْ
فأعطاه مالاً، فقاسمه موسى.
مصادر و المراجع :
١- الكامل في اللغة والأدب
المؤلف: محمد بن
يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)
المحقق: محمد أبو
الفضل إبراهيم
الناشر: دار
الفكر العربي - القاهرة
الطبعة: الطبعة
الثالثة 1417 هـ - 1997 م
2 يونيو 2024
تعليقات (0)