المنشورات
تحريض شبل بن عبد الله على بني أمية
ودخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن علي، وقد أجلس ثمانين رجلاً من بني أمية على سمط الطعام، فمثل بين يديه، فقال:
أصبح الملك ثابت الآساس ... بالبهاليل من بني العباس
طلبوا وتر هاشم فشفوها ... بعد ميل من الزمان وياس
لا تقلين عبد شمس عثاراً ... واقطعن كل رقلة وأواسي
ذلها أظهر التودد منها ... وبها منكم كحز المواسي
ولقد غاظني وغاظ سوائي ... قربهم من نمارق وكراسي
أنزلوها بحيث أنزلها الله ... بدار الهوان والإتعاس
واذكروا مصرع الحسين وزيداً ... وقتيلاً بجانب المهراس
والقتيل الذي بحران أضحى ... ثاوياً بين غربة وتناسي
نعم شبل الهراش مولاك شبل ... لو نجا من حبائل الإفلاس!
فأمر بهم عبد الله فشدخوا بالعمد، وبسطت عليهم البسط، وجلس عليها، ودعا بالطعام، وإنه ليسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جميعاً وقال لشبل: لولا أنك خلطت كلامك بالمسألة لأغنمتك جميع أموالهم، ولعقدت لك على جميع موالي بني هاشم.
قوله: الآساس واحدها أس، وتقديرها فعل وأفعال وقد يقال للواحد: أساس، وجمعه أسس.
والبهلول: الضحاك.
وقوله:
بعد ميل من الزمان ويأس
يقال: فيك ميل علينا، وفي الحائط ميل، وكذلك كل منتصب.
وقوله: واقطعن كل رقلة، الرقلة: النخلة الطويلة، ويقال إذا وصف الرجل بالطول: كأنه رقلة.
والأواسي، ياؤه مشددة في الأصل وتخفيفها يجوز، ولو لم يجز في الكلام لجاز في الشعر؛ لأن القافية تقتطعه، وكل مثقل فتخفيفه في القوافي جائز، كقوله:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستعر1
وواحدها أسية وهي أصل البناء بمنزلة الأساس.
وقوله: وغاظ سوائي تقول: ما عندي رجل سوى زيد، فتقصر إذا كسرت أوله، فإذا فتحت أوله على هذا المعنى مددت، قال الأعشى:
تجانف عن جو اليمامة، ناقتي ... وما قصدت من أهلها لسوائكا2
والسواء ممدود في كل موضع وإن اختلفت معانيه، فهذا واحد منه، والسواء: الوسط، ومنه قوله عز وجل: {فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} 3, وقال
يا ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد
والسواء: العدل والاستواء، ومنه قوله عز وجل: {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} 1، ومن ذلك: عمرو وزيد سواء، والسواء: التمام، يقال: هذا درهم سواء، وأصله من الأول، وقوله عز وجل: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} 2، معناه تماماً. ومن قرأ: سَواءٍ فإنما وضعه في موضع مستويات.
والنمارق، واحدتها نمرقة، وهي الوسائد، قال الفرزدق:
وإنا لتجري الكأس بين شروبنا ... وبين أبي قابوس فوق النمارق
وقال نصيب:
إذا ما بساط اللهو مد وقربت ... للذاته أنماطه ونمارقه
وقوله: مصرع الحسين وزيد يعني زيد بن علي بن الحسين، كان قد خرج على هشام بن عبد الملك، وقتله يوسف بن عمر الثقفي وصلبه بالكناسة3 عرياناً، هو وجماعة من أصحابه.
ويروى الزبيريون أنه كان بين يوسف بن عمر وبين رجل إحنة، فكان يطلب عليه علة، فلما ظفر بزيد بن علي وأصحابه أحسوا بالصلب، فأصلحوا من أبدانهم واستحدوا4، فصلبوا عراة، وأخذ يوسف عدوه ذلك، فنحله أنه كان من أصحاب زيد فقتله وصلبه، ولم يكن استحد5، لأنه كان عند نفسه آمناً، وكان بالكوفة رجل معتوه عقده6 التشيع، فكان يجيء فيقف على زيد وأصحابه فيقول: صلى الله عليك يا ابن رسول الله، فقد جاهدت في الله حق جهاده، وأنكرت الجور ودافعت الظالمين؛ ثم يقبل عليهم رجلاً رجلا فيقول: وأنت يا فلان فجزاك الله خيراً، فقد جاهدت في الله حق جهاده، وأنكرت الجور ونصرت ابن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يقف على عدو يوسف فيقول: فأما أنت يا فلان، فوفور عانتك يدل على أنك بريء مما قرفت1 به!.
[قال أبو العباس: وقال حبيب بن جدرة - ويقال: ابن جدرة، وهي السلعة2 - الهلالي.
قال الأخفش: الصحيح عندنا ابن خدرة بالخاء وكسرها، وقال المبرد: لم أسمعه إلا جَدَرَةَ ويقال: جُدرةَ] 3.
وهو من الخوارج، يعني زيد بن علي:
يابا حسين لو شراة عصابة ... صحبوك كان لوردهم إصدار4
يابا حسين والجديد إلى بلى ... أولاد درزة أسلموك وطاروا
تقول العرب للسفلة والسقاط: أولاد درزة، وتقول لمن تسبه: ابن فرتنى، وأولاد فرتنى. وتقول للصوص: بنو غبراء، وفي هذا الباب.
ويروى أن شاعراً لبني أمية قال معارضاً للشيع في تسميتهم زيداً المهدي [والشاعر هو الأعور الكلبي] 3:
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة ... ولم نر مهدياً على الجذع يصلب
ونظر بعد زمين إلى رأس زيد ملقى في دار يوسف وديك ينقره، فقال قائل من الشيعة:
اطردوا الديك عن ذؤابة زيد ... طالما ما كان لا تطاه الدجاج
وقوله:
وقتيلاً بجانب المهراس
يعني حمزة بن عبد المطلب، والمهراس ماء بأحد، ويروى في الحديث أن رسول الله صلى الله علية وسلم عطش يوم أحد، فجاءه علي في درقة بماء من المهراس فعافه فغسل به الدم عن وجهه.
وقال ابن الزبعري في يوم أحد:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل
فاسأل المهراس من ساكنه ... بعد أبدان وهام كالحجل
وإنما نسب شبل قتل حمزة إلى بني أمية؛ لأن أبا سفيان بن حرب كان قائد الناس يوم أحد.
والقتيل الذي بحران هو إبراهيم بن محمد بن علي، وهو الذي يقال له الإمام.
وكان يقال: ضحى بنو حرب بالدين يوم كربلاء، وضحى بنو مروان بالمروءة يوم العقر؛ فيوم كربلاء يوم الحسين بن علي بن أبي طالب وأصحابه، ويوم النقر يوم قتل يزيد بن المهلب وأصحابه.
وإنما ذكرنا هذا لتقدم في إكرام مواليها.
مصادر و المراجع :
١- الكامل في اللغة والأدب
المؤلف: محمد بن
يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)
المحقق: محمد أبو
الفضل إبراهيم
الناشر: دار
الفكر العربي - القاهرة
الطبعة: الطبعة
الثالثة 1417 هـ - 1997 م
5 يونيو 2024
تعليقات (0)