المنشورات
أخبار الموالي
ولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيش موتة زيداً مولاه، وقال: إن قتل فأميركم جعفر. وأمر رسول الله أسامة بن زيد، فبلغه أن قوماً طعنوا في إمارته، وكان أمره على جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار، فقال عليه السلام: "إن طعنتم في إمارته لقد طعنتم في إمارة أبيه قبله، ولقد كان لها أهلاً، وإن أسامة لها لأهل"، وقالت عائشة: لو كان زيد حياً ما استخلف رسول الله غيره. وقال عبد الله بن عمر لأبيه: لم فضلت أسامة علي وأنا وهو سيان? فقال: كان أبوه أحب إلى رسول الله من أبيك، وكان أحب إلى رسول الله منك. وأوصى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أزواجه لتميط عن أسامة أذى من مخاط أو لعاب، فكأنها تكرهته، فتولى منه ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده. وقال له يوماً، ولم يكن أسامة من أجمل الناس: "لو كنت جارية لنحلناك وحليناك حتى يرغب الرجال فيك". وفي بعض الحديث أنه قال: "أسامة من أحب الناس إلي".
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدى إلى بني قريظة مكاتبة سلمان، فكان سلمان مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: سلمان منا أهل البيت.
ويروى أن أمير المؤمنين المهدي نظر إليه ويد عمارة بن حمزة في يده، فقال له رجل: من هذا يا أمير المؤمنين? فقال: أخي وابن عمي عمارة بن حمزة، فلما ولى الرجل ذكر ذلك المهدي كالممازح لعمارة، فقال له عمارة: انتظرت والله أن تقول: ومولاي فأنفض والله يدك. فتبسم أمير المؤمنين المهدي.
ولم يكن الإكرام للموالي في جفاة العرب؛ زعم الليثي أنه كانت بين جعفر ابن سليمان وبين مسمع بن كردين منازعة، وبين يدي مسمع مولى له، له بهاء ورواء ولسن، فوجه جعفر إلى مسمع مولى له لينازعه، ومجلس مسمع حافل، فقال: إن أنصفني والله جعفر أنصفته، وإن حضر حضرت معه، وإن عند عن الحق عندت عنه، وإن وجه إلي مولى مثل هذا - وأومأ إلى مولاه1 مولى مثل هذا، عاضاً لما يكره1 - فعجب أهل المجلس من وضعه مولاه الذي تبهى بمثله العرب.
وقد قيل: الرجل من أبيه، والمولى من مواليه. وفي بعض الحديث2 أن المعتق من فضل طينة المعتق.
ويروى أن سلمان أخذ من بين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمرة من تمر الصدقة فوضعها في فيه، فانتزعها منه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "يا أبا عبد الله، إنما يحل لك من هذا ما يحل لنا".
ويروى أن رجلاً من موالي بني مازن، يقال له عبد الله بن سليمان، وكان من جلة الرجال، نازع عمرو بن هداب المازني، وهو في ذلك الوقت سيد بني تميم قاطبة1، فظهر عليه المولى حتى أذن له في هدم داره، فأدخل الفعلة دار عمرو، فلما قلع من سطحه سافاً2 كف عنه، ثم قال يا عمرو! أريتك القدرة وسأريك العفو.
وقد كان في قريش من فيه جفوة ونبوة. كان نافع بن جبير، أحد بني نوفل بن عبد مناف، إذا مر عليه بالجنازة سأل عنها، فإن قيل: قرشي قال: وا قوماه! وإن قيل: عربي قال: وا مادتاه! وإن قيل: مولى أو عجمي قال: اللهم هم عبادك تأخذ منهم من شئت وتدع من شئت! ويروى أن ناسكاً من بني الهجيم بن عمرو بن تميم كان يقول في قصصه: اللهم اغفر للعرب خاصة وللموالي عامة، فأما العجم فهم عبيدك والأمر إليك.
وزعم الأصمعي قال: سمعت أعرابياً يقول لآخر: أترى هذه العجم تنكح نساءنا في الجنة? قال: أرى ذلك والله بالأعمال الصالحة، قال: توطأ واله رقابنا قبل ذلك.
وهذا باب لم نكن ابتدأنا ذكره، ولكن الحديث يجر بعضه بعضاً، ويحمل بعضه على لفظ بعض.
ثم نعود إلى ما ابتدأناه إن شاء الله، وهو ما نختاره من مختصرات الخطب وجميل المواعظ، والزهد في الدنيا المتصل بذلك، وبالله التوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو العابس: قد ذكرنا في صدر كتابنا هذا، أنا نذكر فيه خطباً ومواعظ: فمما نذكره في1 ذلك أمر التعازي والمراثي؛ فإنه باب جامع، وقد قيل إنه لم يقل في شيء قط كما قيل في هذا الباب؛ لأن الناس لا ينفكون من المصائب، ومن لم يثكل أخاه ثكله أخوه، ومن لم يعدم نفيساً كان هو المعدوم دون النفيس، وحق الإنسان الصبر على النوائب، واستشعار ما صدرناه، إذ كانت الدنيا دار فراق ودار بوار، لا استواء. وعلى فراق المألوف حرقة لا تدفع، ولوعة لا ترد، وإنما يفاضل الناس بصحة الفكر، وحسن العزاء، والرغبة في الآخرة، وجميل الذكر.
مصادر و المراجع :
١- الكامل في اللغة والأدب
المؤلف: محمد بن
يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)
المحقق: محمد أبو
الفضل إبراهيم
الناشر: دار
الفكر العربي - القاهرة
الطبعة: الطبعة
الثالثة 1417 هـ - 1997 م
6 يونيو 2024
تعليقات (0)