المنشورات
الدهر يبلي
(الطويل)
في هذه القصيدة رثاء صديق له ووصف للحيّة.
ألوّي حيازيمي عليك تحرّقا، ... وأشكو قصور الدّمع فيك وما رقا (1)
فيا شمل لبّي لا تزال مبدّدا، ... ويا جفن عيني لا تزال مؤرّقا
فقد كنت أستسقي الدّموع لمثلها، ... وما جمّ دمع العين إلّا ليهرقا
أعاينت هذا الدّهر إن سرّ مرّة ... أساء، وإن صفّى لنا الودّ رنّقا (2)
كأنّي أنادي منه صمّاء صلدة، ... وصلّ فلاة لا يلين على الرّقى (3)
إذا غفل الحادون ثار مساورا ... وإن روجع النّجوى أرمّ وأطرقا (4)
طلوع الثّنايا ينفذ اللّيل لحظه، ... إذا ما رنا، جوّاب أرض، وحملقا
له المنظر العاري، وكلّ هنيهة ... تغاور بالأنقاء بردا مشرّقا
كأنّ زماما ضاع من أرحبيّة ... تلوّى بأقواز النّقا، وتعلّقا (5)
تلمّظ شيئا كالجباب، وغامرت ... به وثبة أمضى من اللّيث مصدقا (6)
رشاء الرّدى لو عضّ بالطّود هاضه، ... ولو شمّ ما لاقى على الأرض أحرقا (1)
دويهية يحمي الطّريق مجرّه، ... إذا نفخ الرّكبان نام وأرّقا (2)
وما العيش إلّا غمّة وارتياحة، ... ومفترق بعد الدّنوّ وملتقى
هو الدّهر يبلي جدّة بعد جدّة، ... فيا لابسا أبلى طويلا وأخلقا
فكم من عليّ فيك حلّق وانهوى، ... وكم من غنيّ نال منك وأملقا (3)
ومن قبل ما أردى جذاما وحميرا، ... وأطرق زور الموت عوجا وعملقا
وأبقى على دار السّموأل بركه، ... وقاد إلى ورد المنون محرّقا (4)
ففارق هذا الأبلق الفرد بغتة، ... وودّع ذا بعد النّعيم الخورنقا
فما البأس والإقدام نجّى عتيبة، ... ولا الجود والإعطاء أبقى المحلّقا
أراه سنانا للقريب مسدّدا، ... وسهما إلى النّأي البعيد مفوّقا
إذا ما عدا لم تبصر البيض قطّعا، ... ولا الزّغف منّاعا ولا الجرد سبّقا (5)
ولا في مهاوي الأرض إن رمت مهبطا، ... ولا في مراقي الجوّ إن رمت مرتقى
ولا الحوت إن شقّ البحار بفائت، ... ولا الطّير إن مدّ الجناح وحلّقا
وللعمر نهج إن تسنّمه الفتى ... إلى الغاية القصوى أزلّ وأزلقا
ألا قاتل الله الذي جاء غازيا، ... فقارعنا عن مخّة السّاق وانتقى (6)
وكم من عليل قد شرقت بيومه ... جوى، بعد ما قالوا أبلّ وأفرقا
وآخر طلّقت السّرور لفقده، ... وقد راح للدّنيا النّشوز مطلّقا
بنفسي من أفقدت دارا أنيقة ... من العيش واستودعت بيداء سملقا (7)
وأبدلته من ظلّ فينان ناضر ... ظلال صفيح كالغمام مطبّقا
وخفّفت عن أيدي الأقارب ثقله، ... وحمّلته ثقل الجنادل والنّقا
جلست عليه طامعا ثمّ جاءني ... من اليأس أمر أن أخبّ وأعنقا (1)
وما من هوان خطّأ التّرب فوقه، ... وخطّ له بيتا من الأمر ضيّقا
وقد كان فوق الأرض يسحق نأيه، ... فصار وراء الأرض أنأى وأسحقا
خليليّ زمّا لي من العيس جسرة، ... مضبّرة الأضلاع أدماء سهوقا (2)
تمرّ كما مرّت أوائل بارق ... يشقّ الدّجى والعارض المتألّقا
كأنّ يد القسطار بين فروجها، ... يقلّب في الكفّ اللّجين المطرّقا (3)
وحطّا لجامي في قذال طمرّة، ... كأنّ بها من ميعة الشّدّ أولقا (4)
تعير الفتى ظهرا قصيرا، كأنّه ... قرا النّقنق الطّاوي وعنقا عشنّقا (5)
لعلّي أفوت الموت إن جدّ جدّه، ... وأعظم ظنّي أن ينال ويلحقا
وهل يأمن الإنسان من فجآته، ... وإن حثّ بالبيداء خيلا وأينقا (6)
لقد سلّ هذا الرّزء من عيني الكرى، ... وغصّص بالماء الزّلال وأشرقا
وممّا يعزّي المرء ما شاء أنّه ... يرى نفسه في الميّتين معرّقا
ولو غير هذا الموت نالك ظفره ... وولّاك غربا للمنايا مذلّقا
لكان وراء الثّأر منّا، ودونه ... عصائب تختار المنون على البقا
إذا ضربوا ردّوا الحديد مثلّما ... وإن طعنوا ردّوا الوشيج مدقّقا (7)
بكلّ قصير يفلق الهام أبيض، ... وكلّ طويل يهتك السّرد أورقا
إذا اهتزّ من خلف السّنان حسبته ... بأعلى النّجاد الأرقم المتشدّقا
ولكنّه القرن الّذي لا نردّه، ... وهل لامرئ ردّ إذا اللّيث حقّقا
يقود الفتى ما زمّ بالضّيم أنفه، ... وقد قاد أبطالا، وقد جرّ فيلقا
مشقّق أعراف الخطابة صامت، ... ولاقي صدور الخيل يوم الوغى لقا
ولم تغن عنه الخطّ قوّم درؤها، ... ولا البيض أجرى القين فيهنّ رونقا (1)
سقاه، وإن لم ترو للقلب غلّة، ... وما كان ظنّي أن أقول له سقا
ولا زالت الأنواء تحبوه مرعدا ... من المزن ملآن الحيازيم مبرقا
إذا قيل ولّى عاد يحدو عشاره ... وإن قيل أرقا دمعة القطر أغدقا
وأعلم أن لا ينفع الغيث هالكا، ... ولا يشعر المندوب بالهام إن زقا (2)
ولو كان بالسّقيا يعود أنا له، ... كما لو سقي عاري القضيب لأورقا
ولكن أداري خاطرا متلهّفا، ... وقلبا بما خلف التّراب معلّقا
مصادر و المراجع :
١- ديوان الشريف الرضي
المؤلف: محمد بن
الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.
المصدر: الشاملة
الذهبية
23 يونيو 2024
تعليقات (0)