المنشورات
شر اللباس
(البسيط)
في هذه القصيدة يعزي الشاعر صديقا له عن بنت توفيت له عقب أخرى.
نخطو وما خطونا إلّا إلى الأجل، ... وننقضي، وكأنّ العمر لم يطل
والعيش يؤذننا بالموت أوّله، ... ونحن نرغب في الأيّام والدّول
يأتي الحمام فينسى المرء منيته، ... وأعضل الدّاء ما يلهي عن الأمل
ترخي النّوائب من أعمارنا طرفا، ... فنستعزّ، وقد أمسكن بالطّول (1)
لا تحسب العيش ذا طول فتركبه، ... يا قرب ما بين عنق اليوم والكفل
نروغ عن طلب الدّنيا، وتطلبنا ... مدى الزّمان بأرماح من الأجل (2)
سلّى عن العيش أنّا لا ندوم له، ... وهوّن الموت ما نلقى من العلل
تدعو المنون جبانا لا غناء له، ... محلّأ عن ظهور الخيل والإبل (3)
ويسلم البطل الموفي بسابحة، ... مشيا على البيض والأشلاء والقلل (4)
يقودني الموت من داري فأتبعه، ... وقد هزمت بأطراف القنا الذّبل
والمرء يطلبه حتف، فيدركه ... وقد نجا من قراع البيض والأسل
ليس الفناء بمأمون على أحد، ... ولا البقاء بمقصور على رجل
يبكي الفتى وكلام النّاس يأخذه، ... والدّمع يسرح بين العذر والعذل
وفي الجفون دموع غير فائضة، ... وفي القلوب غرام غير متّصل
تعزّ ما اسطعت، فالدّنيا مفارقة، ... والعمر يعنق، والمغرور في شغل (1)
ولا تشكّ زمانا أنت في يده ... رهن فما لك بالأقدار من قبل
عاد الحمام لأخرى بعد ماضية، ... حتّى سقاك الأسى علّا على نهل
من مات لم يلق من يحيا يلائمه، ... فكن بكلّ مصاب غير محتفل
وكلّ باك على شيء يفارقه ... قسرا، فيقتصّ من ضحك ومن جذل
ما أقرب الوجد من قلب ومن كبد، ... وأبعد الأنس من دار ومن طلل
العقل أبلغ من عزّاك من جزع، ... والصّبر أذهب بالبلوى من الأجل
سقى الإله ترابا ضمّ أعظمها ... مجلجل الودق مجرورا على القلل (2)
ولا يزال على قبر تضمّنها ... برقا يشقّ جيوب العارض الهطل
وكلّما اجتاز ريعان النّسيم به ... لم يوقظ التّرب من مشي على مهل
يا أرض! ما العذر في شخص عصفت به ... بين الأقارب والعوّاد والخول (3)
أردت أن تحجب البيداء طلعته، ... ألم يكن قبل محجوبا عن المقل؟
جسم تفرّد بالأكفان يجعلها ... مذ طلّق العمر أبدالا من الحلل
وغرّة كضياء البدر لامعة، ... صار التّراب بها أولى من الكلل (4)
شرّ اللّباس لباس لا نزوع له، ... والقبر منزل جار غير منتقل
للموت من قعدت عنه ركائبه، ... ومن سرى في ظهور الأينق البزل (5)
ما يدفع الموت عن بخل ولا كرم، ... ولا جبان ولا غمر ولا بطل (1)
وما تغافلت الأقدار عن أحد، ... ولا تشاغلت الأيّام عن أجل
لنا بما ينقضي من عمرنا شغل، ... وكلّنا علق الأحشاء بالغزل
ونستلذّ الأماني، وهي مروية، ... كشارب السّمّ ممزوجا مع العسل
نؤمّل الخلد، والأيّام ماضية، ... وبعض آمالنا ضرب من الخطل (2)
وحسب مثلي من الدّنيا غضارتها، ... وقد رضينا من الحسناء بالقبل
هذا العزاء وإن تحزن فلا عجب، ... إنّ البكاء بقدر الحادث الجلل
وكيف نعذل من يبكي لميّته ... ونحن نبكي على أيّامنا الأول
مصادر و المراجع :
١- ديوان الشريف الرضي
المؤلف: محمد بن
الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.
المصدر: الشاملة
الذهبية
23 يونيو 2024
تعليقات (0)