المنشورات
أول من رفع له الشمع وأول من احتذى بالنعال وأول من وضع المنجنيق وأول من ملك قضاعة بالحيرة جذيمة الأبرش
وكان أبرص فكنى عنه بالأبرش والوضاح، على أن بعض العرب تتبرك بالبرص وتمدحه قال ابن حبناء
لا تحسبنّ بياضا فىّ منقصة ... إنّ اللهاميم «3» فى أقرانها بلق
وقال آخر:
يا كأس لا تستنكرى نحولى ... ووضحا أوفى على خصيلى «1»
فإنّ نعت الفرس الرحيلى «2» يكمل بالغرّة والتحجيلى «3» وقال آخر:
أبرص فيّاض اليدين أكلف «4» والبرص أندى باللهى وأعرف «5» وقال آخر:
نفرت سودة عنّى إذ رأت ... صلع الرأس وفى الجلد وضح
قلت يا سودة هذا والّذى ... يفرج الكربة عنّا والكلح
هو زين لى فى الوجه كما ... زيّن الطرف تحاسين القرح
وزعم أبو نواس أن جذيمة كان يفخر بالبرص ولو كان كذلك لما كنى عنه بالبرش والوضح وزعم أن بلعاء بن قيس لما شاع فى جلده البرص قيل له ما هذا؟ قال: سيف الله جلاه وقال آخر:
ليس يضرّ الطرف توليع البهق ... إذا جرى فى حلبة الخيل سبق
وكان الذى ملك جذيمة على ثغر العرب ازدشير بن بابك، وأنزله الحيرة، وكان عقيما لا يولد له، واختلف فى نسبه فقيل: من العماليق، «1» وقيل: من الأزد، وقيل: من تنوخ، وكان شديد الكبر، فمن كبره أنه كان ينادم الفرقدين «2» ذهابا بنفسه، يشرب قدحا، ويصب لكل منهما قدحا، قال متمم:
وكنّا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدهر حتىّ قيل لن يتصدّعا
فلمّا تفرّقنا كأنى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
حتى نادمه مالك وعقيل، وفيهما يقول الشاعر:
تقول أراه بعد عروة لاهيا ... وذلك رزء «3» لو علمت جليل
فلا تحسبى أنىّ تناسيت عهده ... ولكنّ صبرى يا أميم جميل
ألم تعلمى قد تفرّق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل
وجذيمة هو الذى يقول:
أضحى جذيمة فى تزيين منزله ... قد حاز ما جمعت من قبله عاد
وكان من أحسن الناس وجها، فخطب «1» الزباء بنت عمر ابن طريف من العماليق، وكانت على الشام والجزيرة من قبل الروم، وكانت قد بنت على شاطىء الفرات من الجانبين قصورا ومدائن، وهى إلى اليوم قائمة خربة، وكانت حصينة لا يسلكها سالك، ولا يدركها طالب، وقد سقفت فى الفرات أنفاقا بين مدينتيها، تفزع إليها إذا حزبها أمر، وكانت تغزو من حولها من العرب، فغزت دومة «2» الجندل وتيماء، «3» وهو الأبلق، فامتنع عليها، فقالت: «تمرد مارد «4» وعز الابلق» «5» فأرسلتها مثلا، فاجابت جذيمة، وكانت بكرا، فجمع أصحابه فاستشارهم، فأشاروا عليه بالمضى، وخالفهم قصير بن سعد اللخمى، وكان لبيبا، وقال: إن النساء يهدين إلى الأزواج، فعصاه وسار حتى كان بمكان يدعى بقة بين هيت والأنبار، فاستشارهم، فأشاروا عليه بالشخوص إليها، لما علموا من رأيه فيها، فقال له قصير: انصرف ودمك فى وجهك فأبى، فقال قصير: «لا يطاع لقصير أمر» ، فأرسلها مثلا، وطعن جذيمة حتى عاين مدينتها، والكتائب دونها هالة، فقال لقصير: ما الرأى؟ فقال:
(تركت الرأى ببئر بقة) ، ثم قال: وعلى هذا إن لقيتك الكتائب فحيوك تحية الملوك، وساروا أمامك. فقد كذب ظنى، وإن أخذوا جنبيك فإنى معرض لك العصا، وهى (لا يشق غبارها) .
(وكان جذيمة استعمل على ملكه ابن أخته عمرو بن عدى بن النضر بن ربيعة اللخمى، فلم يشعر ذات يوم أن رأى العصا عليها قصير فقال: (خبر ما جاءت به العصا) فأخبره قصير الخبر، وقال: أطلب بثأرك منها قال: (كيف وهى أمنع من عقاب الجو) ؟ فقال قصير: أما إذا أبيت، فإنى سأحتال (فدعنى وعداك ذم) «1» فعمد قصير إلى أنفه فجدعه، ثم أتى الزباء، فقالت: (لأمر ما جدع قصير أنفه) فقال: أتهمنى عمرو فى مشورتى على خاله بإتيانك فجدعنى، فلم تقر نفسى عنك، وان لى مالا كثيرا بالعراق، فأعطينى شيئا، وأرسيلنى بعلة التجارة حتى آتيك بما قدرت عليه من طرائف العراق، ففعلت، فأطرفها وزادها مالا كثيرا، وقال: هو ربح، فاعجبها وسرت به، فردته ثانية، فأطرفها وزادها، وتلطف حتى علم موضع الانفاق، ثم ردته ثالثة، فأتى عمرا فقال: أحمل الرجال فى الصناديق على الابل، ففعل، وفيهم عمرو، فلما وافاها، نظرت إلى العير، فقالت: إن العير لتحمل صخرا أو تطأ فى وحل، وصنع لها رجز فقالت:
ما للجمال مشيها وئيدا «2» أجندلا «3» يحملن أم حديدا
أم صرفانا» تارزا شديدا ... أم الرّجال جثّما قعودا «5»
ودخلت العير المدينة، وكانت أفواه الجواليق مربوطة من قبل الرجال فحلوها، ووقعوا إلى الأرض مستلمين، وشدوا عليها فخرجت هاربة تريد السرب، فاستقبلها قصير وعمرو فضربها عمرو فقتلها، ويقال: بل كان لها خاتم فيه سم فمصته، وقالت: (بيدى لا بيد عمرو) «6» فماتت، وسبيت الذرارى، ونهبت الأموال، فقالت العرب فى أمرها أشعارا كثيرة: فمن ذلك قول المتلمس:
ومن حذر الاوتار ما حزّ أنفه ... قصير ورام الموت بالسيف بيهس
وقال نهشل:
ومولى عصانى واستبدّ برأيه ... كما لم يطع بالبقّتين قصير
فلمّا رأى ما غبّ أمرى وأمره ... وولّت بأعجاز الأمور صدور
تمنّى أنيسا أن يكون أطاعنى ... وقد حدثث بعد الأمور أمور
وقال عدى بن زيد «1»
ألا يا أيّها المترى المرجّى ... الم تسمع بخطب الأوّلينا
دعا بالبقّة الأمراء يوما ... جذيمة ينتحى عصبا تبينا «2»
فطاوع أمرهم إلّا قصيرا ... وكان يقول لو تبع اليقينا
ودسّت فى صحيفتها إليه ... ليملك بضعها ولان تدينا
ففاجأها وقد جمعت فيوجا «3» ... على أبواب حصن مصلتينا
فأردته ورغب النفس يردى ... ويبدى للفتى الحين المبينا
وحدّثت العصا الانباء عنه ... ولم أر مثلها فرسا هجينا «1»
وقدّدت الأديم لراهشيه «2» ... وألفى قولها كذبا ومينا
ومن حذر الملاوم والمخازى ... وهنّ المندبات لمن منينا
أطفّ «3» لأنفه الموسى قصير ... ليجدعه وكان به ضنينا
فأهواه لمارنه «4» فأضحى ... طلاب الوتر مجدوعا مشينا
وصادفت امرأ لم تخش منه ... غوائله وما أمنت أمينا
فلمّا ارتدّ منها أرتدّ صلبا ... يجرّ المال والصّدر الضغينا «5»
أتتها العيس تحمل مادهاها ... وقنّع فى المسوح الدّار عينا
ودسّ لها على الانفاق عمرا ... بشكّته «6» وما خشيت كمينا
فجللها قديم الأثر عضبا ... يصكّ به الحواجب والجبينا «1»
فأضحت من خزائنها كأن لم ... تكن زبّاء حاملة جنينا
وأبرزها الحوادث والمنايا ... وأىّ معمّر لا يبتلينا
ولم أجد الفتى يلهو بشىء ... ولو أثرى ولو ولد البنينا
وإن أمهلن ذا جد «2» عريض ... علقن به «3» وإن فرّطن حينا
الم تر أنّ ريب الدّهر يعلو ... أخا النّجدات والحصن الحصينا
مصادر و المراجع :
١- الأوائل
المؤلف: أبو هلال
الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)
الناشر: دار
البشير، طنطا
الطبعة: الأولى،
1408 هـ
11 يوليو 2024
تعليقات (0)